الدكتور بائع الفحم

بقلم : زينب الغافري.

مدرب معتمد في التنمية البشرية

قرية بدائية أبنائها يعيشون على المزارع و بيع الفحم عن طريق الخشب المستخلص من الأشجار ويصدرونه أو يرسلونه إلى المدينة لبيعه، أو ينتظرون أحد التجار يمر عليهم ويشتري منهم الكمية ليذهب هو ويبيع الكمية في المدينة بسعرٌ يضاهي السعر الذي قد دفعهُ لهم.
هذه القرية كباقي القري البعيدة أو القريبة مستواهم المادي متفاوت.
أغلب أبناء هذه القرية لا يميلون إلى العلم والتعلم.

فلقد ورثوا مهنة صناعة وبيع الفحم من ابائهم.
أما أبناء الأسر التي دخلهم فوق المتوسط يرسلون أبنائهم إلى المدينة لتلقي العلم.

هذه الأسر سابقاً قدمت عدة مرات طلب إلى أصحاب الشأن ببناء مدارس وجامعات لكي يتعلمون أبنائهم في قريتهم، ولم يستجب لهم أحد.

وبعد مطالبات من آباء هذه الأسر، قرر أحد التجار أن يفتح مبنى متكامل للدراسة من المراحل الأولى إلى الجامعية بمقابل رسوم دراسية.

بعد فترة تم افتتاح هذا المبنى الكبير للدراسة الذي يتضمن جميع المراحل من الصف التجهيزي إلى المرحلة الجامعية.

وقد تم توفير ضمن هذا المبنى سكن
للمعلمين الذين أتوا من المدينة ليلقنوا ويعلموا أبناء هذه القرية.
ضمن هذه الأحداث ولد بطل قصتنا . ( سالم ) هذا اسمه رأى سالم النور ،وعندما اكمل عامهُ الأول توفي والده
بسبب المرض، وبقيت الأم ترعى ابنها.

أم سالم (موزة) كعادة أهل القرية كانت تعمل في صناعة الفحم لتلبي حاجاتهم اليومية.

وفي ذات يوم مرض سالم وأصابته حمى وكحة.
وباتت الأم تسهر الليل بجانبه وهي تحاول أن تعطيه الأعشاب ولكن دون جدوى.

استمر سالم على هذه الحال لمدة أسبوعين.

فأقترضت الأم المال من أحد العاملين في المزارع لشراء الدواء من المدينة؛ بشرط أن تُرجع لهُ المبلغ ضعفه.

فوافقت وذلك من أجل صحة ابنها سالم .

وفعلاً أخذت المبلغ وأرسلت أحد الأشخاص الذين يعملون في توصيل البضاعة بين القرية والمدينة من اجل شراء الدواء لإبنها ؛ ولكنه مكث في المدينة أسبوع، والابن يزداد عليه المرض.

وبعد أن رجع هذا الرجل استلمت منه الدواء وبدأت تعطي ابنها الدواء لمدة أسبوع إلى أن تعافى.

وعندما سمع المزارع بأن ابنها تعافى جاء إليها يطلب منها سداد المبلغ الذي عليها.

فقالت لهُ موزة : لا أملك المال حالياً، وامهلني بعضً من الوقت.

فقال لها التاجر : سوف أمهلك شهراً كاملا.. فوافقت.

ضغطت على نفسها بالعمل، وساعدها ابنها سالم الذي أصبح فتي يافع،
إلى أن اكتمل المبلغ وقدموا المبلغ للمزارع .

واستمرت موزة وابنها سالم في العمل لكي يلبون احتياجاتهم.

وفي ذات يوم رأى سالم بعض أبناء القرية عائدون من الجامعة، فسألهم ماذا تدرسون؟
فأخبروه كل ما يتلقونه من علم.

فأعجب سالم بما سمع من أبناء قريته عن العلم.

ذهب سالم إلى والدته وقال لها : بأنه يريد أن يتعلم مثلهم لكي يصبح انسان يفيد قريته بعد أن يتلقى العلم.

فوافقت الوالدة موزة بدون تفكير لسببين؛ لكي تسعد ابنها، ولتحقيق حلمه لمساعدةِ أبناء قريتهُ ، بالرغم من انها تعلم بأن الرسوم الدراسية ستحتاج جهد وتعب لتوفيرها.

عندما اختلت الأم مع نفسها والدموع تتخلل مقلتيها ،قالت: كيف سأوفر الرسوم الدراسية فأنا امرأة كبيرة السن، والجهد الكبير يقلل من صحتي؟
أخذت وقت طويل وهي تفكر إلى أن غفت عينيها التي غُرقت بالدموع.

وفجأة صحت من نومها على صوت المؤذن، فذهبت وتوضأت وأدت صلاة الفجر وبعد التشهد الاخير مكثت قليلاً على سجادتها تدعو ربها بأن يعينها و يمدها بالقوة والصحة للعمل لتوفير الرسوم الدراسية لابنها وأن يفتح لها أبواب الخير وتتسهل أمورهم.

وبعد أن اكمل سالم وأمه شهرين من الكدح في العمل ذهبوا لتسجيله للدراسة،، وفعلاً تم قبوله.

استمرت أمه بالعمل صباحا وسالم يعمل مساءً بعد أن يرجع من دراسته.

عندما ينتهي سالم من العمل يرجع إلى المنزل ليجد أُمه قد جهزت له الطعام البسيط الذي يسد جوعهم.

ثم يقضي سالم بعضٌ من الوقت في مجالسة أمه ويسرد لها عن تفوقه وإعجاب المعلمين بمستواه التحصيلي، ثم يكمل مشوار يومه بإستذكار دروسه على السريع، ثم يذهب إلى النوم ليصحى مبكراً لكي يذهب لتلقي العلم.

واستمروا على هذا الحال ما يقارب السنتين.

كانت الأم فرحه لما انجزته له لمقدرتها على مساعدته في توفير الرسوم الدراسية، فالسعادة لا تفارقها بالرغم من أن العمل أستنزف طاقاتها .

بدأت تتعب من أي جهد تبذله .
ملامح وجهها شاحبه والتجاعيد تخفي جمالها الحقيقي، فكان ملاحظ بأن صحتها تتهالك والجهد هد جسدها.

وفي ذات يومٍ لم تذهب الأم إلى العمل، فأستنكر رب العمل غيابها وأرسل أحد العمال لديه ليذهب ليطمئن عليها.

فعندما وصل العامل إلى منزلها وجدها طريحه أمام منزلها فاقدة الوعي.

فاستنجد بالجيران،وأخذ يصرخ بأعلى صوته ساعدوني.. ساعدوني، وعندما أتى طبيب الأعشاب وكشف عليها قال لهم بأنها قد فارقت الحياة.

عاد سالم من المدرسة فرح والشوق الى حضن أمه قد غلبه فأصبح يخطو خطوات لكي يصل الى بيتهم .
رأى تجمع الناس حول منزلهم، استغرب ذلك!

وبدأت نبضات قلبه تخفق بسرعه متتالية إلى أن وصل عند باب المنزل ورأى أمه قد لُفت بالكفن..

صرخ وجعاً وبكى بكاءً مريرا وهو يقول : كيف سأتحمل هذه الحياة بدون امي التي ضحت بكل ما لديها من أجلي..

أماااه ارجعي ارجعي يا أماااه..

والدموع تذرف بشده على خديه وهو يبكي حزنا على من رِضاها بعد الله هو الذي سيدخله الجنة.

كان سالم في كل زاوية يتذكر ما قدمته له والدته ويقول : رحمك الله يا أمي، ويردد : لن يكون شيء في هذه الدنيا إلا بأمر وحكمه من الله.

مضت فترة والابن لم يذهب للدراسه.

في يوم من الايام تجمع المعلمين وزاروا سالم في منزله.

وقالوا له أن الحياةَ لا تنتهي إلا بأمر من الله وارجع لدراستك ونحن سنتكفل بكل شيء.

وبكى من التأثر، وأيضاً قالوا له : كن ذا يقين بالله وارجع ونحن ننتظرك يا متفوق.

وفي الغد الباكر ذهب للدرس وازداد تفوقه من اجل أن يفرح والدته في قبرها، ويحقق الحلم الذي كان ينتظره بأن يكون انسان يفيد ذاته و مجتمعه.

اكمل دراسة الفيزياء بتفوق، و كذلك تعمق في دراسة الهندسة الكيميائية الكهربائية.

وأخذ بعض الدورات النظرية والتطبيقية لمدة عام في تخصص الرياضيات البحتة.

وقد كان في هذه المدة يعمل تجارب لتجربة ما درسهُ ليتمكن من تطبيق ما تلقاه من علم ومعرفة في هذا الجانب.

وبعد عدة تجارب ناجحة قام بتصميم وابتكار الأجهزة التي تساعد أبناء قريته في التنجيم واستخراج الفحم.

وكذلك اخترع مكائن عديدة لتقطيع الأخشاب واجتهد اكثر، وفتح مصانع لتنتج هذه الأجهزة والمكائن.

فأصبح لديه موظفين من أبناء قريته.

وأيضاً قرر أن يفتح عدة مدارس لتلقي العلم، وفعلا تم بنائها على مستوى عالٍ .

كان هذا سالم سعيدٌ بما ينجزه من نشر العلم والعمل في قريته.

ومن ثم قرر أن يزيد علمه، ودرس الطب ليتمكن من علاج أبناء قريته، وفعلا أصبح طبيباً يعتمد عليه في القرية.

وأمر موظفيه ببناء مستشفى كبير جداً به جميع الأقسام ليخدم كافة القرية.

أصبحت القرية متوفر بها كل ما يحتاجه سكانها.

إلى أن أصبح وضع القرية به الخدمات الأساسية، وليس هناك داعٍ يجعل أبناء القرية بأن يذهبوا إلى المدينة.

وفي يوم من الأيام اتي إليه أكبر مشايخ وتجار القرية، وقال له: أتقبل أن أزوجكَ ابنتي، فلن أجد غيرك أنسب لها.

فوافق سالم وتزوج إبنة الشيخ.
ولم يمنعه أو يشغله الزواج عن عمل الخير، فإستمر في تقديم الخير لقريته.

بعد أن حقق كل ما كان يحلم بهِ قال لزوجته : الآن لقد ارتاح بالي عندما رأيت أبناء قريتي يأخذون ويتلقون العلم والمعرفة ويعملون في القرية. فبناء المجتمعات لن يكون بدون العلم والعمل. أيها السادة الحياة تصفق للمجتهد و تكافئ المثابر ….حافظوا على أحلامكم ، فطريق النجاح يبدأ بحلم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى