استعينوا بالصبر والصلاة
الباحث حبيب الرحمن عبد الحكيم الأزهري
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ ( البقرة: 153)
لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر، والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة.
فإن العبد : إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها أو في نقمة فيصبر عليها وهذه وتلك قد تكون في نفسنا وأهلنا وقومنا وبلدنا.
ولكلها أثر علينا من قريب أو بعيد ولهذا يفرح الإنسان بالنعم ويسر بها ويستعيذه من المصائب والنقم.
والصبر ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى أقدار الله المؤلمة. فالصبر هو الطريق الواسع لبلوغ المجد في الدنيا وبلوغ الدرجات العلى في الآخرة، فالطالب الذي لا يصبر على طلب العلم لا يرتقى، والأب الذي لا يصبر على تأديب أولاده سيخسرهم ، والأم التي لا تصبر على أولادها وعلى زوجها ستندم على تصرفاتها ، والمؤمن الذي لا يصبر على جيرانه وأهله سيعيش فريدا وحيدا كئيبا. ولهذا قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (فصلت 34،35)
وقال تعالى 🙁 إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين)(يوسف : 90)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” «ما يكون عندي من خير لا أدخره عنكم، وإنه من يستعف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستغن يغنه الله، ولن تعطوا عطاء خيرا أوسع من الصبر» صحيح البخاري: حديث:(6470)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المسلم إذا كان يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم “سنن الترمذي: حديث: (2507)
وإن الصبر يورث الطمأنينة وراحة القلب والفكر كما جاء في الحديث: الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء .صحيح مسلم:حديث: (223)
وأيضا (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له) صحيح مسلم:حديث: (2999)
فعلمت أن الصبر محتاج إليه العبد، بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله، فلهذا أمر الله تعالى به، وأخبر أنه مع الصابرين.
وأمر الله تعالى بالاستعانة بالصلاة: لأن الصلاة هي عماد الدين، ونور المؤمنين، وهي الصلة بين العبد وبين ربه، فإذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة، مجتمعا فيها ما يلزم فيها وما يسن، وحصل فيها حضور القلب الذي هو لبها ودخل فيها استشعر دخوله على ربه، ووقوفه بين يديه، مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه” صحيح البخاري: حديث: (531)
وأيضا ” استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة” ابن ماجه: حديث: (277)
وكذلك “أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيئ؟ قالوا لايبقى من درنه شيئ. قال فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا” صحيح البخاري: حديث: (528)
وإن الصلاة راحة لمن كثرت همومه، وسكينة لمن اختلفت عليه زوجته، الصلاة حفظ للمجتمعِ من الجريمة، وصد عن الوقوع في المنكرات، قال تعال:” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” (العنكبوت: 45)
فكذلك الذنوب تمحوها الصلاة، قال تعالى: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل (هود: 114)
فإن الصلاة التي تدعو العبد إلى امتثال أوامر ربه، واجتناب نواهيه، فهي الصلاة التي أمر الله أن نستعين بها على كل شيء.
لأن الصلاة المستوفية لأركانها وسننها وخشوعها لا تتم إلا بالصبر، فالمصلون بحق داخلون في قوله-تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.