*أضحكته سذاجتي وأبكاه رحيلي*

✒️ صَالِح الرِّيمِي :-

دين الإسلام؛ كلمة طيبة أو تقدير واحترام وذوق فى التعامل أو شعور راق أو إحساس بآلام الآخرين وهمومهم أو اهتمام بسيط أو سؤال عابر أو مؤازرة فى محنة أو مشاركة فى مأتم أو مشاركة فى فرح وعرس أو تفقد لطفل مبتلى بجسد قعيد أو ذوق فى التعامل مع الجار أو اتصال هاتفي أو رسالة على الجوال، بكل بساطة هذا هو الإسلام العملي..
تقول المهندسة اليهودية اليمنية نجاة النهاري، عندما كنت أعيش في اليمن بمدينة صنعاء مع عائلتي، تعلمت الصدقة، وذلك بفضل القاضي محمد الأكوع هو من علمني الصدقة، وأنها تجارة رابحة، فعندما نعطي الفقير القليل من أموالنا فإن الله سيعوضنا الكثير من المال بدل الذي دفعناه.

*تقول نجاة النهاري:*
حينما كان عمري أقل من سبع سنوات، كنت واقفة قرب رجل في حارتنا يدعى القاضي محمد الأكوع، حين طلبت منه امرأة عجوز صدقة، وبالصدفة وقعت عيناه عليّ وكنت أمسك قطعة نقدية فئة خمسة ريالات وأعبث بشفتي بها، فقال لي: هاتي الخمسة للعجوز..
وكان رجلًا مرحًا يحب ملاطفة الأطفال، ابتسمت وقلت له: ماعندي إلا الخمس ريالات! فقال لي لو تصدقت بها لفقير فإن الله سيرجعها لك عشرة أو حتى عشرين ريالًا، وظل يغريني ويحاول إقناعي حتى وجدت نفسي أمد يدي بالخمس ريالات للعجوز.

لكنه كان يركز نظره إلى وجهي ليقرأ مشاعري بعد أن خسرت الخمس ريالات، وكنت أكاد أبكي فأبي لم يكن يعطيني الخمس ريالات إلا مرتين أو ثلاثة في الأسبوع، فضحك القاضي وأخرج من جيبه ورقة نقدية فئة عشرين ريالًا وقال لي: خذيها، فقد قلت لك أن الله يرجع الصدقة للفقير أضعافا!!
ترددت في أخذ العشرين ريالًا، لأنه كان مبلغًا كبيرًا بالنسبة لي ولم أكن أملكه إلا في عيد المسلمين، لكنه وضعها في يدي وهو مبتسم ومداعبٌ لي، فذهبت بها إلى البيت وفرحي لا يوصف!

بعد أسبوعين تقريبًا دخل حارتنا رجل فقير وكانت عندي خمس ريالات أيضًا، فتذكرت كلام القاضي محمد الأكوع وهرعت نحوه وتصدقت بالخمس ريالات، بعدها بقيت أغلي بداخلي بانتظار أن يعيد الله لي الخمس ريالات إلى عشرين ريالًا، وعندما دخل أذان المغرب كنت أدعو الله أن يعيد لي الخمس ريالات حتى بدون زيادة، لكن دون جدوى، فشعرت أنني خدعت من القاضي محمد الأكوع!!
في اليوم التالي وأثناء عودتي من المدرسة ظهرًا لمحت شيئًا كأنه مبلغًا من المال، فانحنيت فإذا بها ورقتين من فئة العشرين ريالًا، ففرحت وقلت في نفسي، شكرًا يا ألله أنك أرجعت لي الخمس ريالات أربعين ريالًا بفضل صدقتي على الفقير.

لكنني لم آخذ إلا عشرين ريالًا فقط، واكتفيت بأخذ ورقة واحدة بفئة العشرين ريالًا، وتركت ورقة العشرين ريالاً الأخرى على الأرض، لعلها تأتي بنت ثانية تصدقت مثلي أو أحد محتاج يستفيد منها، وهرولت إلى البيت فرحةً مسرورة بالمبلغ الكبير الذي حصلت عليه من الله..
وعصرًا رأيت القاضي الأكوع عائدًا من المسجد قطعت طريقه وسردت له ماحدث معي بالتفصيل وهو يصغي إلي مبتسمًا، ثم سألني لماذا تركت ورقة العشرين ريالًا الأخرى، فقلت له بحسي الطفولي أن الله أرسل العشرين الثانية لبنت ثانية في الحارة، قد تصدقت مثلي فتركتها لها.

انفجر القاضي ضاحكًا من طريقة تفكيري، وأخبر أناس آخرين بما فعلت فضحكوا أيضًا بصوت عالٍ ومرتفع، وظل القاضي كلما رآني ينفجر ضاحكًا، وبين الحين والآخر يعطيني خمس ريالات أو عشرة ويقول لي: أن الله يحبني ويرسل لي معه فلوس وحلوى..
ومن يومها تعودت أن أعطي الفقراء أي شيء مما عندي، وفي يوم مغادرتنا صنعاء للهجرة إلى فلسطين كانت زوجته وبناته يبكون لأجلنا، ولأول مرة في حياتي رأيت دموع في عيني القاضي محمد الأكوع الذي لم تكن تفارقه الابتسامة.

*ترويقة:*

لم أكن أعرف قيمة ذلك الموقف لكنني بعد أن بلغت سن الرشد أصبحت أتذكر تفاصيل كل شيء وأتألم كثيرًا جدًا على خسارة شعب طيب يحب الله، ويحبه الله، إنه الشعب اليمني الأصيل!!!

*ومضة:*

الإسلام دين الفطرة، ودين المعاملة الحسنة، أي أن أساس التدين هو الالتزام بالتعاليم الإسلامية وحسن الخلق وحسن التعامل مع الناس مسلمين كانوا أم لا.

*كُن مُتَفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى