*لا تتسرع بالحكم*

✒️ صَالِح الرِّيمِي :-

هناك مسافة كبيرة بين ما نراه ونؤمن به، وبين الواقع الذي نجهله، ولكن يخدعنا الظاهر أحيانًا، قبل أيام اتصل بي شخص يكلمني عن شخص آخر أن فيه كذا وكذا، فقلت له هلا اخبرته بهذا الموقف الذي لم يعجبك! فقال ما يحتاج هذه هي أخلاقه أصلًا! سألته مباشرة كيف عرفت ذلك وأنا فيما أذكر أنك قلت لي: أنك لم تتعرف عليه إلا قريبًا؟ فلما رآني غير مكثرت بالموضوع ولم يجد لأسئلتي إجابه قال غير السالفة..
*أرسلت له هذه العبارة:*
“قد يُسي الشخص بفعلِ ظرفٍ قاهرٍ، فلا تُسقطه من قائمة الـمحسنين، وقد يُغير رأيه ليس لأنه ذو وجهين، إنما لأن الضرورة أباحت المحظور”..
فبعصنا قد يحكم على الآخرين حكمًا لا يليق بهم، فالبصر والسمع أشبه بجهاز المسح الخارجي لا يستطيعان التحكم بالمسح الداخلي فالله عزوجل وحده من يستطيع أن يرى داخل الإنسان مثلما يراه من الخارج، لذلك النوايا طيبة أو خبيثة لا يعلمها إلا الله جل شأنه.

أي أن الحكم على الأمور، أو الأشخاص أو المواقف، هو من أصعب الأمور؛ فقد يسيء بعض الناس بك الظن، وقد يظنك آخرون أطهر من ماء الغمام، ولن ينفعك هؤلاء ولن يضرك أولئك، المهم حقيقتك وما يعلمه الله عنك، فكن إنسانًا في الحياة؛ أي أن الناس يحتاجوا بأن تشعر بهم، وتدرك أن لديهم آلامهم التي قد لا يستطيعوا التعبير عنها في حينها..
وبهذه المناسبة أتذكر القصة الإنسانية المشهورة والتي تأثرتُ بها كثيرًا في حياتي، يقول راوي القصة:
أحد الأطباء المتخصصين، عندما قامت إدارة المستشفى باستدعائه لإجراء جراحة فورية لأحد المرضى، وتأخر عليهم كثيرًا. وقبل إجراء الجراحة، التقاه والد المريض صارخًا في وجه: لِمَ التأخر؟! إننا ننتظر وصولك والزمن يمر بنا كالدهر، وحياة ابنى الوحيد فى خطر داهم، وهو معرض للموت فى أيَّة لحظة!

ألا لديك أى مشاعر أبوة؟ نظر الطبيب إلى الأب، وحاول تهدئته قائلًا: أرجوك أن تهدأ، وسأقوم بعملى، وثِق بالله الذى يرعانا جميعًا إلا أن الأب استشاط غضبًا من هدوء الطبيب، وقال: أرى أنك لا تدرك مشاعر الأب!! أتُراك كنتَ تشعر بمثل هذا الهدوء الذى يصل إلى حد البرود، لو كانت حياة ابنك هى التى فى خطر؟! نظر إليه الطبيب نظرة خاطفة، وأسرع نحو غرفة العمليات. مر الزمن بطيئًا حتى خرج الطبيب بعد ساعتين، وقال لوالد المريض وهو على عجل: أشكر الله لقد نجحت العملية، وابنك بخير..
أسرع الطبيب بالمغادرة دون أن يُعطى والد المريض الفرصة فى إلقاء أي سؤال عن صحة ابنه. شعُر الأب بغضب شديد، وتوجه إلى الممرضة قائلًا: إن هذا الطبيب شديد الغرور. أجابت الممرضة: قد توفي ولده فى حادث سيارة، ومع هذا فقد حضر عندما علِم بالحالة الحرجة لولدك! وبعد أن أنقذ حياة ولدك، كان عليه أن يُسرع ليحضر دفن ولده! صمت الرجل، ولم يجد كلمة يقولها.

*ترويقة:*

إذًا لا تحكم على أحد من موقف لا تدرى عمقه كاملًا، فقد يكون في حياته أمورًا أخرى لو علمتها لتغير حكمك عليه..
*قال أحد الحكماء:*
“تذكر دائمًا أنك لست الحزين الوحيد فى هذا العالم، وليس كل الناس سعداء كما تظن. فى طريق الحياة، لا تحاول الحكم على الأمور من مظهرها فقط، إنما تعلم أن تُنصت جيدًا، وتفهَّم ما يقوله الآخرون وبالأحرى ما لا يستطيعون قوله، ومن المؤكد أنك لا تدرك جميع الأمور عنه؛ لذا سِرْ فى الحياة وأنت صديق تساعد من تلاقيه لا قاضٍ يحكم عليه”.

*ومضة:*

كان الربيع بن خثـيْم يغضُّ بصره، فمرَّ به نِسوةٌ فأطرق، حتى ظن النسوة أنه أَعمى، فتعوذن بالله من العمى، سبحان الله حكمن عليه بالعمى بمجرد أن رأينه قدْ أمال رأسه إلى صدره، وهو البصير بصرًا وبصيرةً.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى