*كونوا رحماء*

✒️ صَالِح الرِّيمِي :- 

الحياة منذ بدايتها حتى نهايتها مزيجًا من المواقف الإنسانية التي نتفاعل فيها بمشاعرنا ونعبر عنها بصدق، كما أن عالمنا مليء بالمتناقضات، إلا أن الخير مازال موجودًا في داخل بعض النفوس الطيبة فتمنحه بكل الحُب للآخرين..
ولهذا من باب “خير الناس أنفعهم للناس” يجب على الإنسان أن يجعل نفسه مقصودًا من قبل الناس، يصغي إليهم، يسعى لحل مشكلاتهم، يحمل همومهم، يعين فقيرهم، ينصف مظلومهم، معينًا لهم على حوائجهم، وهذا هو الغنى الحقيقي.

قبل أيام قابلت شخصًا من قرابتي، حيث قال: كنت في طابور أحد المطاعم الشهيرة لطلب وجبة العشاء، وأثناء الإنتظار لاحظت حركة مريبة وتصرف مشين من شابين، هرعت لفك الخناق وتفريق الشابين عن بعضهما، وتم الصلح بينهما، وانتهى الأمر، ولما قرُبت من الكاشير لطلب وجبة العشاء، أدخلت يدي في جيبي لدفع قيمة وجبة العشاء، فلم أجد محفظتي..
ياللهول كنت للتو أخذت راتبي وذهبت للمطعم لكي أفرح مع عائلتي بوجبة عشاء فاخرةٍ ولذيذةٍ من هذا المطعم الشهير، أعتذرت للكاشير معللًا أني نسيت محفظتي في السيارة، وأنا على يقين أنها قد سرقت أثناء فك الخناق بين الشابين.

بالطبع هذا موقف وتصرف فردي لا يعبر عن مبادئنا واخلاقنا وقيمنا، وتنبذه الشريعة الإسلامية من أخذ أموال الناس بالباطل، مهما كانت حجة السارق من فقر أو غيره، انتهى الموقف بلا تعليق، وسأذهب بكم إلى تصرف جميل وحس إنساني رفيع من شخص غير مسلم لكن كانت الرحمة تملى نفسه..
وسأنقل لكم موقفًا جميلًا ونبيلًا لشخص أيًّا كان هو، إلا أنه موقف يحبه الله من الخَلْق ونحن أحق به كمسلمين، موقف يعبر عن قيمة الإنسان وأخلاقه التي نسيناها في غمرة صراعاتنا العبثية لمتعة أنفسنا فقط.

يقول شارلي شابلن في مذكراته:
وقتها كنت صبيًا، ذهبت مع أبي متوجهين لمشاهدة عرضًا للسيرك، وفي صف قطع التذاكر كانت أمامنا عائلة بانتظار دورها، كانوا ستة أطفال مع أمهم وأبيهم، والفقر باديًا على ملامحهم وعلى ملابسهم القديمة بالرغم أنها نظيفة..
كان الأطفال فرحين جدًا وهم يتحدثون عن السيرك وعن الحركات والألعاب التي سوف يشاهدونها، وبعد أن جاء دورهم تقدم الرجل وسأل مسؤول التذاكر عن تكلفة التذاكر؟ فلما أجاب: تلعثم الأب وأخذ يهمس في أذن زوجته.

يقول شارلي رأيت والدي يسارع لإخراج عملة ورقية فئة عشرين دولارًا ويرميها على الأرض، ثم انحنى ورفعها ووضع يده على كتف الرجل وقال له: لقد سقطت منك هذه النقود، نظر الرجل في عين والدي وقال له: شكرًا سيدي وقد امتلأت عيناه بالدموع، حيث كان مضطرًا لأخذ المبلغ لكي لا يحرج أمام أطفاله، وبعد أن دخلوا، سحب أبي يدي وتراجعنا من الطابور، حيث كان لا يملك غيرها من النقود..
ومنذ ذلك اليوم وأنا فخور جدًا بأبي!! لقد كان الموقف الإنساني أجمل وأفضل من عرض السيرك، وبالرغم أنني لم أرَ السيرك لكن كنت مرتاحًا وفرحًا من تصرف أبي.

*ترويقة:*

في النهاية من يريد أن يكون ثريًا فليقدم العطاء ويتصدق مما يملك من نِعَم. ومن يريد النجاح والسعادة وراحة البال، فليحاول إسعاد قلوب الآخرين ويخفف عنهم معاناتهم وهمومهم وأحزانهم قدر استطاعته. فحينها سترى فعلًا أن العطاء يأتي لك بالسعادة الحقيقية والرضا الدائم في الحياة.

*ومضة:*

فما أروع العطاء، فالعطاء يهبك قمة السعادة، فكونوا رحماء لبعضكم نحو بعض ليسعد الجميع..
قال عليه الصلاة والسلام: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس).

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى