إعلامنا بين التقدم والانهزام
بقلم/د.عبد الولي الشميري
هيهات أن يستطيع إعلامنا العربي – بقيوده الحالية – أن يلحق بركب الإعلام العالمي في دول التقدم الغربي والشرقى ومع الأسف الشرق أوسطى غير العربي لماذا؟ وكيف ؟
ّ وقبل الإجابة عن هذين السؤالين لا بد أن نتعرف على عيوب ونواقص وسائلنا الإعلامية في الوطن العربي ونشخص الأسباب التي أعاقتها عن الإعلام المتطور الشيق الجذاب، وإذا شخصنا المرض الذى أودى بالجودة والجمال المطلوبين فى المادة التى نشكو من رداءتها أو على الأقل سوء انتقائيتها، فإن أي إعلامي متخصص أو مسئول فى وسائل الإعلام الرسمية يجيب أى قطر كان وبأى مستوى مادى كان بالإجابة الواحدة على ألسنة الجميع، وهى : ضعف الإمكانيات المادية، حتى لم أعد أؤمن حق الإيمان بجدوى هذا المبرر المكرر الممل المكروه؛ لكثرة ترديده من الغنى والفقير والطويل والقصير . وكأبسط إجابة على هؤلاء المعذرين نقول لهم: أليس فينا ثروات نفطية ونفقات ترفيهية تجعلنا فى بعض الأقطار العربية في مقدمة الدول المرتفعة الدخل الكثيرة الإنفاق ؟
ثم ألم تكن هنا دول ممن نحسبها نالت السبق في المضمار الإعلامي وهي أقل دخلاً وأقل نفقات من كثير من دولنا أو من بعض بلداننا العربية؟! وبالتالي الشماعة الإمكانيات فى بعض الدول العربية الغنية، ومن هنا فإننا معهم : ما سر الروح الخافتة والرتابة المملة في برامجنا وإخبارياتنا حتى ينصرف معظم جمهور الشعب وراء قنوات وإذاعات أجنبية وقد يوليها فلا مبرر نتساءل، الثقة التي لا تستحقها من حيث التصديق للأمانة الخبرية، كان ينتحر أحد الناس فيقولون: انتقل إلى رحمة الله.
وعوداً على بده ما هى أسباب عدم اللحاق بالركب الإعلامي العالمي ومن يتحمل المسئولية فى تأخر قافلتنا الإعلامية؟ ومن الظلم الفادح أن نقول: وزراء الإعلام العرب؛ لعلمنا أن الوزير كأى وزير يقدم إلى وزارته حاملاً طموحًا كبيرًا وآمالا يحدوها التفوق فى عهده ولفترة قيادته لوزارته، وسرعان ما يكتشف بأنه غير قادر على إيجاد تغيير جذرى فى اتجاه تطوير وتحديث أداء وزارته ووسائله الإعلامية لأسباب عدة ومشاكل متراكمة يتورط في مواجهتها والاصطدام بصخرتها الصماء، حتى يحين نقله من وزارته وهو يتمثل بالحديث
الشريف : ” لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى “.
ومن أهم تلك العقبات التى تجعل كل وزير يقف عند حده العيوب والتخلف عن الركب:
1- التقشف في نفقات الميزانية الإعلامية إلى درجة رفض الوسائل والطرق الإعلامية الحديثة إذا كان اقتناؤها يضيف أرقامًا جديدة على ميزانية الدولة.
2- رداءة المضمون فى المادة الإعلامية وسوء اختيار ما تقدمه وسائلنا العربية، وقد يعود ذلك حقا أو باطلاً إلى عدم الانتقاء لأهل الاختصاص في كل مجال أو عدم الثقة المطلقة فى مواهبهم الإبداعية أو التخوف من مرتباتهم ومكافآتهم المادية، ومن ثم فلا غرابة أن نجد مثلاً قناة فضائية تعتمد على متخصص في علم النبات أو الجغرافيا وتعهد إليه بمادة إعلامية مهمة وحساسة مثل اختيار مواضيع الطب والتاريخ وربما الأدب واللغة، وقد يكون الهدف من هذه التلفيقة نبيلاً ولكنه غير موفق ، فوجه النبل أن ذلك الإنسان من الموظفين العاطلين في الجهاز الإعلامى، وتأتى الفكرة لغرض تشغيله ورحمته من البطالة، والاستفادة من كافة كوادر المؤسسة الإعلامية كافة ولو أدى ذلك إلى إيذاء الذوق العام وخدش الثقافة الإعلامية فى وجهتها الجميلة.
3- الفهم العام لدى الحكام فى الأقطار العربية أن الإعلام الرسمي بكل وسائله إنما وجد لمهمة واحدة هى تغطية أخبار الحاكم للبلد ورجال دولته وعائلته من سفر ونوم ومرض وشفاء وتهان وتعاز واستقبال وتوديع وضيافة وزيارات وهلم جرا، ولست أدرى كيف لا يتساءل المسئولون في شعوبنا العربية مع أنفسهم بسؤال واحد على الأقل هو : ماذا يستفيد مواطن عربي يقف أمام الشاشة مضحيًا بأطيب أوقاته لينتظر نشرة إخبارية تحيطه علماً بأهم أحداث الدنيا اليوم فيجد نفسه أمام أخبار في قطر بعيد عنه ينقل إليه وقائع جلسة عشاء أو برقيات تهان وردا على التهاني والتبريكات أو زيارات حاكم لبلد أو إحدى مدارس بلده ومن كان في استقباله ومن كان في وداعه، أيلام المشاهد العربي المهتم بتتبع أهم أحداث الدنيا اليوم إذا حلف بالله العظيم أن لا يعود لمشاهدة تلك القناة وأدار تلفازه على قناة إسرائيل أو B.B.C أو C.N.N.
هذه أمثلة يسيرة على أسباب عدم ثقة المشاهد أى مشاهد في الدنيا وعدم اهتمامه بوسائل الإعلام المتخلفة، وآخر مواجع فؤادى من إحدى القنوات العربية التي أحب مجاملتها بأن أسمح لها بالبث في بيتي خلال انشغالي بالهاتف أو الكمبيوتر والإنترنت: أنى سمعت منها تقديمًا شيئًا من لسان المذيعة الجميلة التي قدمت شاعرًا رائعا ومبدعًا موهوبا بقصائده العذبة كاكتشاف أدبي ومفاجأة للساحة الثقافية وما إن سمعتها تقول بأنه يتبع الأساليب الصوفية فى الحب الإلهى والتغزل الوجداني بما يحب من تعلق وغرام وهيام حتى بادرت قبل أن يبدأ وقمت بإطفاء الكمبيوتر وهيأت جهاز التسجيل،وظننت أني سأسمع قصيدة رائعة لأضمها إلى موسوعة الحب
الصوفي مثل :
تَبدّى الهلال ووجه الحبيب***فكانا هلالين عند النظر
فلم أدر أيهما قاتلى ***هلال السما أم هلال البشر
ولكني سمعت كلامًا كأنه شوك القتاد حفظت منه قوله :
جاءتني حالة عجيبة في ظلمة النوم
فرأيت ورأيت ورأيت وابتسمنا
وابتسمنا وابتسمنا وابتسمنا عند لينا
وهنا أطفأت التلفاز وسحبت ثقتى من مذيعته الرائعة الجميلة، وتيقنت أن تلك الاكتشافات الأدبية والمفاجآت الثقافية كانت لأحد عمال صيانة الكهرباء في مبنى التلفاز، أو لأن ذلك الشاعر الملهم الموهوب كان صديقا حميما لأحد المسئولين في تلك القناة الفضائية أو على الأقل من «شلته»، أو حزبه، أو قريته.