عز الدين ميهوبي يكتب ملحمة السرد السياسي والأنتروبولوجي في رواية سيرة الأفعى
بقلم:الدكتور وليد بوعديلة
صدرت رواية جديدة للكاتب الجزائري عز الدين ميهوبي، هي “سيرة الأفعى”عن دار العين بمصر، نوفمبر 2022. وهي رواية ملحمة النضال الفلسطيني في زمن العولمة والتطورات التكنولوجية.
ومن خلال شخصية نسائية، ريناد، من عرب 1948 يسافر القارئ في كثير من الملامح والتجارب والقضايا، داخل الأراضي المحتلة، وتحديدا في حيفا، ثم في أمكنة كثيرة داخل وخارج فلسطين والكيان المغتصب المحتل، المسمى اسرائيل. وينقل الكاتب حياة ريناد مع أهلها وتعاملها مع الإدارة الإسرائيلية، والرفض الفلسطيني للمحتل، وحالة العرب في المناطق المحتلة، بمعنى أنها رواية كتبها جزائري عن داخل عبراني صهيوني يهودي.
وإذا كانت هناك “الرواية المقدسيّة” كنوع سردي له ملامحه، فعز الدين ميهوبي يقترح لنا رواية أنتروبولوجيا هُوية وملامح المجتمع /الدولة المحتلة.
تقول الفتاة ريناد -وهي التي تحرّك فضاءات الرواية بمواقفها ومشاعرها، بل بمونولوغاتها الكثيرة، في ظل العيش في مدينة محتلة بعواطف وطنية، كاشفة بعضا من سيرتها ويومياتها: “عندما فتحت عيني وجدتُ رشاشا فوق رأسي، و حين دخلت المدرسة رأيت دبابة قرب بيتنا. لم أر إلا أصحاب البزّات الزيتية والمرقطة بأسلحتهم وكلابهم يحاصرون حي الحُليصة في حيفا. كبُرت وكبُر معي مشهدهم المخيف، وأضحى ظلا لي. أخرج من المقهى أقابلهم، ويطلبون أوراق هويتي يدققون فيها…” (ص7).
ومن هذه الخواطر في بداية الرواية يستعد القارى للدخول في رواية ملحمة، تقدم الوقائع والاخبار وتحاور الذاكرة والشخصيات الفنية/ السردية والتاريخية/ الحقيقية (ارهابية، فكرية، سياسبة غنائية..) في 750صفحة.
والرواية تتعبُ القارئ الكسول، ليس بعدد الصفحات فقط، بل بأبعادها الانتروبولوجية الكثيرة والمتداخلة، ولا غربة في ذلك، بخاصة عند الانتقال بين المدن والدول والثقافات، لما فيها من جماليات وممارسات وعادات، لذلك وجدنا صعوبة في تحديد نوع هذه الرواية، لأنها تقترب من الأدب السياحي، أدب الرحلة، أدب المذكرات، الرواية الدينية، السرد السياسي.. وقد نقول بأنها “رواية انتروبولوجيا الأراضي الفلسطينية المحتلة”، أو أنها تنتمي للأدب البوليسي والاستخباراتي أو أدب الجوسسة.
وتحيلنا الرواية على كثير من أحياء ومدن الكيان (إسرائيل)،كما تكشف الطبقات الاجتماعية في هذا المجتمع، بتنوعه وتعددها الثقافي والعرقي، كما تكشف الرواية أهمية الاطلاع على فكر الآخر المحتل، قصد الإعداد الجيد للمواجهة، بكل انواعها( عسكرية، أو ناعمة/ فكرية، أدبية، علمية، إعلامية..).
1- تجليات انتروبولوجية في الرواية:
وقد سجلنا مجموعة من الأبعاد والتجليات في الرواية ومنها:
– لقاء الرؤى الأمنية والدينية في الخطاب السردي، في إشارة إلى السياق العبري.
– لا يمكن فهم حركة الأحداث وانتقالات السرد والجوسسة والاستخبارات إلا بوجود مرجعية تاريخية ودينية (تحرك رجال الاحتلال أو رجال المقاومة).
– حضور خطاب الراهن العربي والدولي(الحراك العربي، أخبار داعش، إيران وإسرائيل..).
– يعود السارد لمخطط كيفونيم 1982، ويفرض على القارئ الاطلاع عليه.
_تلتفت الرواية لكثير من الأحداث والشخصيات، وتنبش في مختلف الوقائع المرتبطة بالصراع العربي الاسرائيلي، مثل حضور أفكار وحياة الإمام عبد الكريم المغيلي، وأحداث تمنطيط. وهنا نجد إحالة على الاهتمام الإسرائيلي بافريقيا. والتوقف عبر شخصية ميلود عند اليهود في الجزائر وتاريخهم وعائلاتهم..
– مع شخصية البروفسور عاموس نجد إشارة فنية هامة من الروائي، لأهمية البحث التاريخي والاجتماعي والديني في الحروب الإقليمية والدولية.
– توجد ملامح ثقافية شعبية فلسطينية، بمختلف التجليات..
– لاحظنا الدقة في تقديم ملامح المجتمع العبراني، من خلال الأماكن الفنادق، السجون، المقاهي، الشوارع، المطاعم، المستشفيات، الاعلام، المتحعات السياحية. وهذا يؤكد أن الروائي قد تعب كثيرا في عرض هذا المجتمع وسرده فنيا، عبر تداخل المتخيل والحقيقي، من سنة 2006 ومابعدها.
جماليات الرواية:
تحاول الرواية أن تدخل الأراضي المحتلة بآليات فنية متعددة، فوجدنا مثلا:
– تحاور الرواية الأجناس الأدبية والفنون، السينما، الأغاني، الشعر، الموسقى.
– تستعين الرواية بالحوار الذاتي لكشف رؤى وخواطر الشخصيات..
– يغلب أحيانا البعد السياسي على البعد السردي الفني في صفحات الرواية، لدرجة يحتاج القارئ الادبي لمختصّ في العلاقات الدولية والعلوم السياسية ليساعده في فك شفرات النص.
– تتنوع الأزمنة في النص، وقد نوع السارد في تقنياته الزمنية المعروفة في الكتابات السردية، و تعددت الأمكنة في الرواية، لدرجة يمكن اعتبارها رواية مكانية بامتياز.(تركيا، قرطبة، باريس، أمريكا، ألمانيا، القدس، مصر، غزة…)
– تكثر مشاهد الحوار في الرواية بين الشخصيات.
– يستعين السارد بحِيل فنية لكي يقدم بعض الأخبار السياسية، مثل نقل أخبار القنوات الفضائية أو الصحف، باستعمال الكولاج. وهنا نجد حضور فن النقال في الرواية.
– من جماليات التشويق في الرواية نذكر قلق القارئ عند حضور كل شخصية جديدة، تلتقي بالبطلة ريناد، فيشك اذا كانت الشخصية من الموساد أم لا.
– وجدنا مزجا بين السرد والحوار في البناء الفني للرواية.
– أعاد السارد بريق وجماليات فن الرسائل، بتقديم نصوص كثيرة من رسائل إلكترونية وورقية، وتفاعل الشخصيات مع مضامينها، كما استحضر أدب الوصية، عبر ماكتبه غسان والد ريناد قبل وفاته.
أخيرا..
أقول: هي رواية تداخل الفنون والأجناس، وهي رواية خارقة حارقة، تخترق العمق الإسرائيلي وتكشف أسراره وملامحه، وتحرق كل أوراق وأفكار للتطبيع والخيانة والتراجع عن الحق الفلسطيني في العودة وفي استرداد الحق المغتصب في الأرض.
وأقول: رواية “سيرة الأفعى” لعزالدين ميهوبي هي رواية انتروبوبولوجية وتنبؤات، سافرت في الذاكرة، وحاورت الراهن، وعددت التقنيات الفنية، معلنة عدم المهادنة، ليس عبر المشاعر فقط، وانما بالطرح الحضاري الشامل، لذلك كانت الرواية تفاعلا بين السردي والسياسي، وتتطلب حضور القارئ صاحب المعرفة الجمالية، والمنفتح كذلك على قضايا السياسة والصراع الدولي الأمني والاقتصادي والثقافي.