رئيس الهيئة الأوربية للمراكز الإسلامية يؤدي خطبة الجمعة بمسجد باريس الكبير
كتبت – حسناء رفعت
ألقى الشيخ مهاجري زيان رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية خطبة الجمعة بمسجد باريس الكبير.
وخطيب الجمعة هو مسؤول الشؤون الثقافية و التعليمية بالمؤسسة الثقافية الإسلامية عضو الفدرالية الأوروبية لمسجد باريس الكبير.
وجاء نصها كتالي..
شهر رجب يذكرنا بمكانة السَّلام في الإسْلام
دخل علينا شهر رجب، وهذه الجمعة الثانية منه، رسالة لنا جميعا بضرورة استثمار و استغلال الشهر المبارك من الأشهر الحرم، و الاستعداد الجيد للشهر الفضيل رمضان المعظم
أيها المسلمون:
مِنحٌ وعطايا الله سبحانه وتعالى كثيرة يهبها ويمنحها لعباده في كل حين… من أيام وليالي و شهور و نحو ذلك…ليمحو بها خطايانا ويكفر بها سيئاتنا ويرفع بها درجاتنا..
يقول قتادة رحمه الله:(إن الله اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسولاً، ومن الكلام ذكره، ومن الأرض المساجد، ومن الشهور رمضان والأشهر الحرم، ومن الأيام يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم والعقل).
وقال الله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} [القصص:68]، والاختيار هو الاصطفاء. ومن اصطفاءه وتفضيله اختياره بعض الأيام و الليالي والشهور وتفضيلها على بعض، وقد اختار الله من بين الشهور أربعة أشهر حُرما منها شهر رجب، قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ } [التوبة:36]
جاء في السُنة ذكرها، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:( السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقعْدة، وَذو الْحجَّةِ، والْمُحرَّمُ، وَرجُب مُضَر الَّذِي بَيْنَ جُمادَى وَشَعْبَانَ، … ) رواه البخاري و مسلم.
وسميت بالأشهر الحُرُم: لعظم حرمتها، وحرمة الذنب فيها، فالمعصية في هذه الأشهر أعظم من المعصية في غيرها كما أن الحسنات فيها مضاعفة.
و الله أمرنا فيها بقوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) [التوبة:36].
فالظلم له شقان: لا تظلم نفسك بتفويت العمل الصالح في الزمن الفاضل.. فهذا زمن مختلف، معظّم عند الله، و لا تظلم نفسك بعمل المحرّمات في هذا الزمن الفاضل.
والجامع لهذا كله: [لكي لا تقع في الظلم في الأشهر الحُرُم أو في غيرها لابد أن تكون “مُعظِّما”] “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” (سورة الحج:32).
إخوة الإيمان:
كان العرب في الجاهليَّة يقدسون هذه الأشهر، وسمّيت بالأشهر الحُرم؛ لأنّهم حرّموا فيها القتال، والظلم، والبغي، والجور، وسائر المحرمات، و هي من بقايا القيم السماوية السابقة، ففي غيرها من الأشهر يتقاتلون، يقتل بعضهم بعضًا …، ويتوقّفون عن القتال فيها_أي في الأشهر الحُرم_ حتى إنّ القاتل ليرى قاتل أبيه فيها فلا يفعل له شيئًا تعظيمًا لحرمتها .
جاء الإسلام وأقر و ثبّت مبدأ السلام والأخلاق وحسن المعاملة، انطلاقا من رسالة محمد صلى الله عليه و سلم السامية،و شعارها “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء 107) ، و تطبيقا عمليا للغاية من بعثته صلى الله عليه و سلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”أخرجه أحمد عن أبي هريرة و هو صحيح. إنه الإتمام و التكميل و مواصلة سيرة ومسيرة و توجيهات الأنبياء السابقين…
عباد الله:
قال بعض الناس عنا: أن الإسلام انتشر بالسيف و هو دين القتل، ويكفي ردا على هؤلاء ما ورد في القرآن الكريم كتاب المسلمين، إن لفظ السلم ومشتقاته ورد مائة وأربع وأربعين (144)مرة، وأن لفظ الحرب وما اشتق منه ورد ست (6)مرات فقط، فإن دل هذا فإنما يدل على أن ما وُصف به الإسلام من عنف و ارهاب غير صحيح اطلاقا. و هو كذب و افتراااااء…
وحسبنا قول الله تعالى: “وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا”، ففيها دلالة قوية على تبني مبدأ السلم والسلام وأنه القاعدة الأساسية لهذه الأمة.
ومن الخطوات الهامة التي اتخذها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بنائه للمجتمع الجديد ودولته الفتية في المدينة المنورة إصدار وثيقة المدينة نظم بموجبها العلاقات داخل المجتمع المتعدد الثقافات والديانات من أجل توفير الأمن والسلام للناس جميعا، و بنود وثيقة المدينة هي بمثابة الدستور الذي نظَّم علاقة المسلمين مع بعضهم البعض، ونظَّم علاقة المسلمين مع اليهود، لتكوين مجتمع متماسك قوي ومتين، فلم يُكّره – صلى الله عليه وسلم -اليهود على الدخول في الإسلام ، وأقرَّ لهم عقائدهم الدينية، بل ووضع أيضاً وثيقة معاهدة تنظم حياتهم داخل المدينة مع المسلمين ، وأعطاهم الأمن والأمان، لــــــيــــــــتمتعوا بالمزايا الدينية والاجتماعية، وجعل لهم حقوق وعليهم واجبات، دون أن يتعرضوا للأذى أو السوء. على أن يكونوا أوفياء للدولة و الأمة، لا خيانة و لا تآمر…
وكان صلى الله عليه وسلم يَكرهُ اسم حرب للأشخاص على عادة الناس في ذلك الزمان، و يُغيّره إلى اسم آخر أحسن وأجمل، فعن عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: “لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُو حَسَنٌ”، فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ”، فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟” قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ”، ثُمَّ قَالَ: “سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ: شَبَّـــــــــــرُ وَشَبِيرُ وَمُشَبِّـــــــــــرٌ. (رواه أحمد)
والله تعالى سمّى نفسه بالسلام، قال تعالى-: (هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ).
وختام و نهاية الصّلاة عند المسلمين في الفرائض و النوافل هي: السَّلام، تتكرر في اليوم عدة مرات، بين خمس صلوات مفروضة، و الفجر و الشفع و الوتر،،، حتى يستشعر المسلم قيمة السلام عند الله ويرسخ ذلك في ذهنه و وجدانه إلى مماته.
والجنَّة اسمها دار السَّلام، قال تعالى-: (لَهُم دارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِم…).
ومن أركان الحج، الإحرام، و الحاج يُمنع عليه؛ صيد الحيوان، و قطع الشجر، وقصّ الأظافر، وحلق الشَّعر،، وإيذاء الآخر، فهو تدريب عملي على السلام الشامل مع النفس و مع الحيوانات و مع الجمادات .
عباد الله:
تعلمون جميعا أن الأمم المتحدة اتخذت يوما عالميا للاحتفال بالسلام، وهو أمر محمود، لكن أريد أن ألفت انتباهكم أن الإسلام دعا إلى السلام قبل أن تدعو إليه المنظمة الأممية، أو تفعله دولة أو مؤسسة عالمية أو محلية.
الإسلام يحتفل بالسلام في كل حين، فالسلام شعار المسلم مع نفسه ومع غيره، فهو يلقيه على كل من لقيه، عرفه أو لم يعرفه.
و نحن نعيش مرحلة صعبة حروب في القارات الخمس ما أحوجنا إلى قيم الإسلام، الإسلام دين السلام بمعناه العام .. سلام مع المسلم وغير المسلم، سلام مع الإنسان بعامة، سلام مع الكائنات الحية.. سلام مع الجمادات، سلام مع الكون بأكمله_الذي يعاني في هذه المرحلة من أزمة المناخ أو التغيرات المناخية المضطربة_؛ ولذا كان الإسلام دين السلام.