د. سعيد المغربي يكتب: العربية و إشكاليات الحداثة
الأمين العام المساعد للتنال العربي باحث في التراث الشعبي الإسلامي
مما لا شك فيه أنّ الهوية اللغوية
إشكالية تؤرّق كل عربي مخلص لديه انتماء للعروبته ولسانه، فالعربية مصير أمة ورمز انتماء ؛ ولذا كانت قضيتها ماثلة أمام أعيننا، ولن تتراجع أبدا – بحول الله تعالى – مهما كلفنا ذلك من عناء ، ومهما أصابنا من سخرية المتشدقين المستهزئين، فهي ابد الدهر باقية شامخة، ونحن لها مريدون ، وعنها مدافعون.
ولعل
الإعلام الرقمي له دور إيجابي محمود ، يقوم به في إيصال المعلومات للقارئ بسهولة ويسر، فهو دور يُقدّر له، ولكن هناك بعض الصفحات والمواقع الإلكترونية عندما نطالعها ينتابنا الحزن والأسى؛ لما آلت إليه لغتنا العربية في بعض هذه المواقع، فحيثما نقرأ نجد أخطاءً لا حصر لها سواء أكانت في الإملاء أم في التراكيب او في الصياغة اللغوية ، وهذا ما يحتم علينا الوقوف أمامه بقوة، وخصوصا الأخطاء البسيطة في الإملاء والنحو، أخطاء ما يجب أن نقع فيها، مما يجعلنا نتساءل أهو أمر مقصود، أم هو جهل بأبسط القواعد في اللسان العربي؟
واللافت للنظر بل المثير حقا ، أن كاتبي هذه الأخبار أو تلك المقالات جلهم من المثقفين، من خريجي الجامعات، وبعضهم يحملون الشهادات العليا من الماجستير وما بعدها، فكيف يستقيم هذا ؟
ألم يكن من الأفضل لتلك المواقع والصفحات أن تخصص مدققا لغويا يقوم بمراجعة ما يُكتب من أولئك السادة الأفاضل الأعلام؟
إنَّ الأمر بحق خطير، ولا مبالغة في ذلك؛ لأنه يؤدي إلي أمرين غاية الخطورة :
الاول :
1- انتشار الخطأ بين السواد الأعظم من الناس ، بل والاعتقاد بأنه هو الصواب.
الثاني:
2- ضعف الكتابة، فما يشاهده القارئ – على اختلاف الثقافة والعلم – من خطأ متكرر أمامه، يجعله يلتزم به في كتاباته معتقدا بأنه الصواب.
ولا يقتصر الخطأ اللغوي على الصحف والمواقع فحسب، بل تسرب إلي شاشات التلفاز فيما يعرض من عبارات مكتوبة وتراكيب لغوية في البرامج الحوارية و نشرات الأخبار أو ما شابه.
إنَّ قضية الخطأ اللغوي الشائع في اللغة العربية قضية قديمة حديثة، وهي ليست مقتصرة على عصرنا هذا فحسب، فقد تحدث عنها شاعر النيل، حافظ إبراهيم عن تلك المأساة، حيث يقول على لسان العربية:
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة.
فهي إشكالية الحداثة والتشدق بالمدينة
إنّ الثورة الرقمية أثرت على حياتنا في كثير من الجوانب ومنها ذلك التأثير السلبي على لغتنا العربية؛ ولذلك نجد الكثير من المشاهد الموجعة التي تشوه جمال العربية، وهذا التشويه قد يكون نتيجة طبيعية من بعض الأشخاص الذين لا يهتمون بالعربية ولا يلقون لها بالا، بل يهتمون باللغات الأجنبية ويفتعلون الموقف تلو الموقف؛ كي يضمّنوا كلامهم مصطلحا أجنبيا من هنا أو هناك.
بل أحيانا نجد بعضهم يبذل قصارى جهده في التحدث باللغة الأجنبية بدعوى المدنية والتحضر، وما كانت المدنية والتحضر إلا بالعلم والعمل، وما كان التقدم إلا باللغة الأم، فأروني أمة في العالم تقدمت دون لغتها، والشواهد كثيرة نجدها ماثلة أمامنا، فالمانيا تقدمت بلغتها، وكذلك أليابان…
إنني أدعو القائمين على جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة إلى الاهتمام بالعربية كتابة وعبارة و تركيب ، فالعربية خيار وجود وقدر أمة ..
د. سعيد المغربي
باحث في التراث الشعبي الاسلامي
الأمين العام المساعد للتنال العربي