الـصـفـح عن المخطئ

 

عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

مدرب وناشط اجتماعي

التفضل على السبّاب والشاتم يكون من الكرم وحب التألف، كما قيل للإسكندر: إن فلانا وفلانا ينقصانك ويثلبانك، فلو عاقبتهما.
قال: هما بعد العقوبة أعذر في تنقّصي وثلبي.
فكان هذا تفضلا منه وتألفا.
والمسلم يتسامى ويرتفع عن القيود الأرضية التي تثقله فيهبط حتى يصل، ونرى هذا أحيانا، إلى مستوى سفلي، وغدت بعض الكلمات الجوفاء قيما ومثلا ومنهاجا متبعا وإن خالف هدي الصالحين، ومن ذلك أن يرد الصاع صاعين، وأنه ليس بأقصر منه يدا ولا لسانا.
قيل: قال المسيح عليه السلام: إن الإحسان ليس أن تحسن إلى من أحسن إليك، إنما تلك مكافأة بالمعروف، ولكن الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك.
قال الشاعر :
وكنت إذا صحبت رجال قوم
صحبتهم وشيمتي الوفاء
فأحسن حين يحسن محسنوهم
وأجتنب الإساءة إذا أساؤوا
وقال الفضيل بن عياض: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل : يا أخي اعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى.
فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل.
قل: فإن كنت تحسن تنتصر مثلا بمثل، وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب أوسع، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام الليل على فراشه، وصاحب الانتصار يقلب الأمور.
فهذه الأخلاق التي عاشها الصالحون من حبهم واتباعهم لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، اتباعا يغطي جميع جوانب حياتهم، لا يفرّقون في الأخذ عنه بين قول أو فعل أو هيئة، وبعدها يبثونها بين الناس قدوة وتوجيه.
فابعد نفسك عن الانتصار للنفس وحب الانتقام، ولعله في ذلك يزيد على المقدار الواجب، فتوقع نفسك في مصيبة أكبر من التجاوز الذي وقع عليك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك).
قال أبو حاتم: الواجب على العاقل توطين النفس على لزوم العفو عن الناس كافة، وترك الخروج لمجازاة الإساءة، إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسن من الإحسان، ولا سبب لنماء الإساءة وتهييجها أشد من الاستعمال بمثلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى