وما أدراك ما يناير

أسماء بامخالف

شهر يحمل بين طياته مشاعر الحزن والفراق رغم مضي ثلاث سنوات على المصاب الجلل الذي أصابنا إلا وكأنه حدث بالأمس، وكلما اقتربنا من ذلك التاريخ الذي ترسخت أحداثه في ذاكرتي وذاكرة كل عماني، وسطرتها خيوط الذهب في سجلات التاريخ لتبقى خالدة طول الأزمان وعلى مر العصور.

إنه العاشر من يناير عندما رحل عنا سلطاننا وقائدنا وأبينا قابوس، رجل السلام والأب الحنون الذي كرّس حياته في خدمة الوطن ورفعته وتطوره وتقدمه، ووفر لأبنائه كل سبل الراحة والأمن والأمان؛ فكيف لنا أن ننسى هذا الرجل العظيم بأفعاله وأقواله، وهو الذي غرس محبته في قلوبنا بتعامله وأسلوبه وطيبته. فكيف لي أن أنسى تلك الفاجعة التي أصابت سلطنة عُمان بأكملها، وربما العالم أجمع برحيله عنا فجر اليوم العاشر من يناير 2020 م.

وها أنا كأنني أعيش لحظاتها الآن، وأنا أكتب هذه الكلمات تتوالى المشاهد والأحداث رويدًا رويدًا وكأنه فلم يعرض أمامي وكل سنة يعاد بنفس السيناريو؛ فتنتابني مشاعر الحزن والألم لرحيله وكأنه رحل في تلك اليوم، وكأنها ليست ذكرى مضت عليها سنوات.

يا لها من ليلة تضاربت بها المشاعر بين التصديق والتكذيب، والأعين هاجرها النوم، والدمع يتساقط ويسيل على الوجنتين، والألسن تلهج بالدعاء، والغيوم تمطر كأنها تبكي ويملئها سواد الحزن فتحتضنها السماء وكأنها تواسيها، وكذلك الشوارع يسكنها الهدوء كأنها خلت من أصحابها، والصمت عمّ أرجاء المنازل وبات في كل زواياها، وضجت الصحف والمذاييع والتلفزة وجميع مواقع التواصل الاجتماعي بالخبر؛ فكان يوم استثنائي، وكل شي فيه غريب حتى مشاعري تذبذبت وتدافعت الحروف واهتزت في حبر قلمي فتنافض القلم، وانفض الحبر من فوهته على صفحاتي فتنساب منه كلماتي معبرة قائلة:

أنبلج فجر كئيب على بلادي
مع نبأ رحيل سلطاني
أتى بليلة باردة ممطرة
وصفير الرياح
لم يصدق المسمع
حتى رأت العين الجثمان فأنهمرت الدموع تتوالى واختنقت العبرات
يا له من مشهد مهيب!
تتوقف عليه الأنظار
وعادت بي الأحداث للماضي خمسون عامًا مضت
كان مذاقها أجمل من الشهد
وتعلقت به الأنفس
دون استئذان
ونثر عبير حبه في كل الأرجاء.

نعم، إنه فقيدنا رجل السلام، سيدي وقائدي وأبي قابوس أنتزعك الموت من واقعنا، ولكن ذكراك ستبقى
عالقة في الوجدان.
لا أعلم كيف أنهي كلماتي؛ لأنني لم أبتدأ بعد، ولا أعرف كيف أكتب، فحبر حروفي
يرفض الانصياع لأفكاري، ولكن سأختتم بكلمات
لعلها تواسيني.. تقبل خبر رحيل مولاي؛ فلا اعتراض لقضائك يا إلهي.

غفر الله له وتغمده بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، فكان نعم القائد ونعم الأب، وعد وأوفى؛ فجازيه عنا خير الجزاء يارب العالمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى