*ليسَ من رأى كمَن سمِع*

✒️ صَالِح الرِّيمِي

سأُحدِثُكم عن قصةٍ حدَثَت لي حيثُ كنتُ في زيارةِ صديق قريبٌ إلى نفسي وكان يعاني من ألَمٍ عُضال ألَمَّ به منذ زمنٍ بعيد، كنت أعرف قسوة ألمه نظريًا ومن خلال اطِّلاعي على هذا المرض بعد السلام والسؤال عن الحال والكثير من الكلام المطمئن..
بدأت نصائحي له وكانت كلُها موجهةٌ إلى الجانب الروحي وتحَمُّلَ الألم بشجاعةٍ وذكر الله عند اشتدادِ الألمِ والتفكيرِ في الرحمة التي تتبعُ الألمَ وحجم الثوابِ وما إلى ذلك.

أُصدِقُكم القول أنِّي كنتُ صادقًا في كل ما قلتُه له وكنت أعنيه واستشعر ذلك الألم الصعب، ومع كل صرخةٍ تخرج من فمه تدخل حسرةٌ في قلبي على تحمُّله الألم والجلد والصبر. عدت إلى منزلي وأنا أزعُم أني قمت بواجبي نحو صديقي على خير وجه، بدعمه نفسيًا ومساندته وتذكيره بالصبر والأجر وأن ماعند الله خبرٌ وأبقى.
بعد وقت قصير أكلتُ وجبة خفيفة، بعدها تهيأت للنوم. دخلت إلى غرغتي مستلقيًا على سريري متأخرًا والكل نيام، وضعت رأسي على الوسادة وهمَمْتُ أن أغمضَ عيني، فجاءني ألمٌ بسيط لم أشعر به ولم أعِرهُ أي اهتمامٍ في بدايةِ الأمر، ثم تبعه ألم أشد ثم ألم رهيب، ثم ألم نفضني من السرير وأنا أحاول جاهدًا أن لا أصدرَ صوتًا حتى لا يستيقظ أهلُ الدار من نومهم.

لقد كان الألم في عصبِ الضرس، ولم أرَ في حياتي ألم أشد منه، جال بخاطري في هذا الوقت كل ما قلته من كلام لصديقي عن الصبر والتَّصَبر عند الألم وأنا لم أستطع التحمل عمليًا، حاولت أن أستغفر وأذكر الله منفذًا كل ما كنت أوصي به صديقي، لكن لم أستطِع، كنتُ كالمجنونِ يبحث عن المسكن حتى أخذتُه وبدأ مفعوله عندها فقط عرِفتُ “أن ليس من رأى كمن سمع” وأَن أوصي نفسي أولًا بالتماسِ الأعذارِ للآخرين لكثيرٍ من الإخوان إذا لم يستطيعوا الصبر. نعم ؛ عندما تتذكر كلَ ما مرَّ بك من أزماتٍ وآلآم وترى حالكَ وقد تجاوزتها وعُدت قويًا تتعجبُ من قدرةِ الاستشفاء الذاتي الهائلة التي حباها الله لنا وهي الصبر والفرار إلى الله وهناك شيئًا بخصوص الأزمات، فهي تطهرك وتجعلُ رؤيتك أوضَح ، وتفكيرك أكثرَ صفاءٍ وتدفعك لِلُجوءِ إلى الله دفعًا والمناجاةِ والانكسارِ بين يديه.

*ترويقة:*
أعجبتني مقولةٌ تقول:-
“الصبرُ يعجبك في سائق السيارة التي خلفك، ولكنه لا يعجبك في سائِق السيارةِ التي أمامك”، أي باختصار الصبر الذي يُرجى من وراءهِ تحقيق مصالحنا مثلُ العسل، وإذا لم تحقق أصبح كالعلقم، ونعَزّي أنفسنا بالتحمل والتَّصبرِ إذْ لا حل آخر إلا هو. فإذا جاءَ يومٌ وضجِرنا من الصبر، ولو كان حالٌ ميئوسٌ منه فيكفي الشعور بأن الله معنا ولا شك بأنه لن يهملنا!!
لكن بعيدًا عن المثالية قليلٌ من هو يصبر على أمر لا يحقق له غاياته وأهدافه أو حتى إذا لم يحققِ النتائج المرغوبِ حصولها.

*ومضة:*
ما أجملَ الصَّبر لو أعقبه فرج!!
لِنتأمل حقًا قول الله تعالى: (إنَّ الله مع الصابرين).

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى