اقبل العتاب ولا تكثر
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
مدرب وناشط اجتماعي
من أسباب القطيعة والعداوة تراكم ما في النفوس، فتزداد النفرة وعدم الاهتمام بالآخرين، كما تكون قلة المبالاة سببا للمعاداة، والمعاتبة إبداء لعدم الارتياح وإظهار نوع من السخط، وهي محاولة لتبيين الخلل والعمل على إصلاحه وتلافيه، وكثرة العتاب على كل حدث لا تجعلك إلا في عتاب مستمر.
قال منصور النمري:
أقلل عتاب من استربت بوده ليست تنال مودة بعتاب
والإكثار من المعاتبة يثقل على النفوس، ويحمل على قطع المودات، ويحدث الجفوة والصدود، فلابد من الإغضاء تارة والتحمل أخرى، والتلميح المريح الذي يمر بالنفس مرور النسمة العطرة تستروحها النفس وتنتعش بها وتعيد نشاطها.
وقد أشار علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى ذلك فقال: لا تكثر العتاب، فإن العتاب يورث الضغينة والبغضة، وكثرته من سوء الأدب.
وقال بعض الحكماء: لا تكثرن معاتبة إخوانك فيهون عليهم سخطك.
وقال بشار بن برد
إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
وإن أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه
وحب إخوانك لك كبير كحبك لهم، فلا تخدش هذه المحبة الخيرة الصالحة بكثرة العتاب وزيادة اللوم من غير حاجة وعلى أشياء يمكن غض الطرف عنها.
تعالوا نخل العتب ونصطلح وعودوا بنا للوصل والعود أحمد
ولا تخدشوا بالعتب وجه محبة له بهجة أنوارها تتوقد
وقال المدائني:
ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
قيل أن جعفر الصادق كان يقول: لا تفتش على عيب بالصديق فتبقى بلا صديق.
وينبغي عند التعاتب ألا تستثير في نفس أخيك جوانب التكبر والعناد فتدفعه إلى أن يصر على خطئه كي لا يظهر أمامك ضعيفا.
فالبعض يريد أن يقر صاحبه بالخطأ مهما كان لا أن يصلحه ويتراجع عنه، وكأنها قضية مغالبة، ولو كانوا ينشدون الحق لاتقوا الله، وسلكوا من الطرق أفضلها واختيار خير المداخل لنفس أخيهم المريضة، فيعالجوها بكلمة حانية ورقيقة، لا أن يكونوا عونا للشيطان عليه.
وإذا كان الخطأ متأصلا فمن البدهي أن الإصلاح يأخذ وقتا وجهدا، فلا نتوقع أن التغير المطلوب يكون ببساطة، بمجرد كلمة أو توجيه، فالصبر والتأني مطلوب لمن نشد الحق ونصح في القصد.