قصة السلطانة مريم
كتابة وتحقيق .فايل المطاعني.
تمثال السلطانة الأندلسية مريمة بنت علي العطار كان أبوها قائد جند غرناطة وكان مجاهدا عظيما هي زوجة أبي عبد الله الصغير .
التمثال موجود فى بلدة لوشه الأندلسية ويظهرها بصورة باكية حزينة على سقوط الأندلس، توفيت حزنا وغما بعد سقوط الأندلس .
من بين الشخصيات الأندلسيّة الَّتِي لم تأخذ حقّها ومقدارَها في كتب التراجم والسير، الأميرة مريمة بنت عليّ العطار، أو كما يطلق عليها الإسبان اليوم، مُرَيمة بضم الميم وفتح الراء، والدها هو عليّ العطار القائد الغرناطيّ، الَّذِي نال احترام وتقدير ملوك بني الأحمر، حاكم لوخا، والسيّد الأوّل «لشاقرة» ورئيس الحاشية في قصر الحمراء، وحاكمًا لمملكة غرناطة، وقد نال أقصى أمانيه بعد مصاهرة ابنته مريم لأبي عبد الله الريتشيكو، وارث ملك بني الأحمر ببلاد الأندلس، وقد تزوجت مريمة بالأمير وهي ابنة الخامسة عشر .
ويروي بعض المُؤرّخين، أنَّ أباها وعلى الرغم من غناه الكبير، فلم يجد ما يُجهّز به ابنته يوم عرسها بالأمير، بعد أن أنفق كل ثروته في حماية مملكة غرناطة ما دعا المؤرخ الإسباني، لا فوينتي ألقنطرة، إلى قوله: «إنّ عليَّ العطار لم يجد في عرس ابنته مُريمة ما يجهزها به سوى ملابس وجواهر مستعارة» .
وذكر أحد الرواة ممَّن كانوا مدعوين للعرس أنَّ مريمة كانت ترتدي في عرسها شالًا وفستانًا أسودين، وحائكًا أبيضَ يكاد يغطي كلَّ وجهها. قال الراوي: «يا للحسرة؛ لماذا ستروها؟ فقد كانت تقاطيع وجهها جميلة وجذَّابة». وأكَّد شاعر مسلم، أنَّ مُريمة كانت ذات عينين كبيرتين معبّرتين، في وجه صبوح .
إلا أنَّ هَذِهِ الإشراقة ستتحول في الأيام الأولى من الزواج، إلى تعابير الحزن الَّتِي رافقتها إلى آخر يوم من حياتها، فقد عاشت الأميرة مريمة نكبات، قل ما تجتمع في حقبة واحدة، وما من شكّ أنَّ قليلًا من النساء كنّ بئيسات كمُريمة، كما قال فيديل فرناندس. إذ بعد أيام قليلة من العرس سجن السلطان مولاي الحسن ابنه -زوجها- أبا عبد الله الريتشيكو، وفرَّق بقوة بين العروس الشابة وزوجها، ثم أودعها في جنان قريب من عقبة «شابيس». كان ذلك بعد معركة «لوسينا»، حيث قُتل والدها عليٌّ العطار، وسُجن زوجُها أبوعبدالله .
سجن سيتمّ الإسبان مقايضة حريته بأخذ ولده الصغير أحمد من أمه، وهو لم يتجاوز بعد السنة الأولى، وظلت قاطنة هناك مُتحسرة على وفاة والدها الأمير وزوجها الملك وابنها الصغير، قبل أن يُقرّر الإسبان إطلاق سراح الملك أبي عبد الله، آخر ملوك غرناطة، مُقابل تسليم ابنه احمد بعد أن بلغ سنه التاسعة، مُحتجزًا بقصر الملكة إليزابيث الَّتِي أطلقت عليه اسم إنفانتيكو، يعني: «الأمير الصغير» .
واستمرت المقايضة مع ملك غرناطة مرّة بنفسه ومرة بأبنائه، إلى أن فقد مملكته بالكامل حينها قالت عائشة فاطمة، والدة الريتشيكو لابنها: «الآن وقد فقدت مملكتك؛ احتمِ بصدر زوجتك» .
بعد توالي هَذِهِ النكبات على قلب مريمة، لم تجد دواءً بنفيها عن مملكتها غرناطة، سوى مراقبة قصر الحمراء من مكانها بالبيّازين مُؤتمنة لقصر بالكاد كانت ملكته وأميرته .
توجَّه الأمراء المُهجّرون إلى البشارات، حيث بقوا إلى أن تلقّوا خيانة جديدة من طرف ملوك قشتالة باتّخاذ قرار طردهم من الأندلس، وهو الحدث الَّذِي وقع في نهاية صيف 1493. وهكذا وفي أكتوبر، خرج من ميناء «أدرة» أبو عبد الله رفقة أمه فاطمة وشقيقته وابنيه أحمد ويوسف، وبعض الأصدقاء والخدم، متوجهين نحو المغرب. بينما مُريمة؛ الحبُّ الوحيد لأبي عبد الله، والَّذِي لم يعرف غيره حبًا آخر، كما جاء على لسان أحد الرواة، والإنسان الوحيد الَّذِي كان بإمكانه أن يُخفّف عنه مأساة الترحيل؛ قضت نحبها بعد أيام قليلة قبل مغادرة البشارات .
وتروي بعض النصوص، أنَّ مريمة، الحزينة، دفنت في مسجد مَنْدُوجَر، في نفس الروضة الَّتِي كان نُقل إليها من قبلُ جُثمان السلاطين محمد الثاني، ويوسف الأوّل، ويوسف الثالث، وأبو سعد. [كما جاء في الصفحة 28 من كناش القرية. رقم1577]، وقد نقل جثمان مريمة إلى مندوجر، كي يرقد إلى جانب الملوك النصريين. فقرَّر أبو عبد الله وقف بعض ممتلكاته على فقيه القرية، كي يدعو لزوجته مرّتين في الأسبوع، وكذلك خصّص هبة للعلماء كي يدعوا ويقرأوا القرآن يوميا على مُريمة. [كما جاء في وثيقة تضم القضية المعقودة بين كنيسة القرية والمدام كيومار دي أكونيا وريثة الدون بيدرو دي زافرا، قاضي مندوخر، سنة 1500، المخطوطة المحفوظة في الأرشيف العام لبطارقة غرناطة] .
عاشت مريمة نكبات تاريخيَّة، لم يستطع قلبها المكابدة لهَذَا الفقد، فَقدُ الأبِ والأبناءِ وضياع ملك الأجداد، ولعلّ وفاتها حسرةً وكمدًا كانت بسبب هَذِهِ التراكمات، الَّتِي لم تترك لها من خيار سوى توديع دنيا، لم ترَ فيها إلا ألوانٍ قليلةٍ من الفرح والباقي كلُّه نكبات .
وهناك أغنية برتغالية شهيرة وقديمة تقول «عندما أريد أن أبكي أتذكر مريمة، وعندما أريد أن أشكي أتذكر مريمة» .