الإحساس بالآخرين قمة الإنسانية

✒️ صَالِح الرِّيمِي

يشكل الإحساس بالآخرين ذروة الصدق في المشاعر النبيلة الداعمة لكل عمل خير، ويعد حافزًا خلاقًا لبذل العطاء على نحو يجسد علو الهمة بنيل رضا الله عزوجل وكسب الحسنات لتثقل الميزان، ويعتبر الإحساس الإنساني النبيل المفعم بالرحمة مثار اعتزاز وفخر كلما جادت النفس وترجم السلوك هذا التعاطي الخلاق إلى واقع تفاعلي متميز يسهم في التخفيف من معاناة الآخرين..
ومن هذه المقدمة سانقل لكم قصة ليست في دولة إسلامية بل في دولة غير مسلمة فأين نحن من هذا العمل الإنساني الرفيع؟ وهذه الرحمة الإنسانية؟ وهذا المرتقى الجميل والرفيع والكريم؟

*قال أحد الأشخاص:*
كنت يومًا زائرًا لمدينة البندقية الإيطالية، وفي ناحية من نواحيها النائية، بينما كنا نحتسي قهوتنا في أحد المطاعم، جلس إلى جانبنا شخص وقال للنادل (الجرسون): إثنان قهوة من فضلك واحد منهما على الحائط.!! فأحضر النادل له فنجان قهوة وشربه، لكنه دفع ثمن فنجانين وعندما خرج الرجل قام النادل بتثبيت ورقة على الحائط مكتوب فيها فنجان قهوة واحد!!
وبعده دخل شخصان وطلبا ثلاث فناجين قهوة واحد منهم على الحائط، فأحضر النادل لهما فنجانين فشرباهما ودفعا ثمن ثلاث فناجين وخرجا.

وقام النادل بتثبيت ورقة على الحائط مرة أخرى مكتوبٌ فيها فنجان قهوة واحد، وفي أحد الأيام كنّا بنفس المطعم دخل شخص يبدو عليه علامات الفقر والعوز فقال للنادل: فنجان قهوة من على الحائط!!
أحضر له النادل فنجان قهوة فشربه وخرج من غير أن يدفع ثمنه ثم ذهب النادل إلى الحائط وأنزل منه واحدةً من الأوراق المعلقة ورماها في سلة المهملات..
يقول راوي القصة:
تأثرت مع من كان من الحاضرين كثيرًا بهذا التصرف الرائع من سكان هذه المدينة والتي تعكس واحدة من أرقى أنواع التعاون الإنساني والتكافل الاجتماعي.

النادل هنا يقوم بدور الوسيط بين المتبرع والمحتاج، ويقوم بهذا العمل وهو في سعادة بالغة وبوجه طلق باسم، ثم يأتي المحتاج ويدخل المقهى دون أن يسأل أحد هل لي بفنجان قهوة بالمجان، فبنظرة منه إلى الحائط يعرف أن بإمكانه أن يطلب من دون أن يعرف من تبرع بالفنجان..
فما أجمل أن نجد من يفكر بأن هناك أناس لا يملكون ثمن الطعام والشراب، وعلى النقيض نجد اليوم في بعض شوارع المسلمين تعج بالشحاذين والفقراء والمساكين دون أن يجدوا حاجتهم، كم نحتاج لمثل هذا الحائط في حياتنا؟!
ونحن المسلمين أولى بهذه الأخلاق وهذا الفن الراقي في التعامل مع بني الإنسان، وهذا الشعور الإنساني والحضاري بإحساسنا بحاجة الفقير والمسكين دون طلب منه أو إحراج له، وهذا التكافل هو شعور إنساني وحضاري يدعونا إليه الإسلام.

*ترويقة:*

قال تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾، في تفسيرها هذه الاية يقول الإمام الزمخشري في كتاب الكشاف: “إن مراد الله في هذه الآية هو أن يقول للناس: إن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله، بخلقه وإنشائه لها، وإنما موَّلكم إياها وخوّلكم الاستمتاع بها، وجعلهكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي أموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب، فلا تنسوا الفقراء فيما آتاكم الله”.

*ومضة:*

الإحساس بالآخرين قمة الإنسانية، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى