علاقات تاريخية متميزة وآفاق لتعاون اقتصادي وثيق بين الجزائر و كوبا
كمال فليج _ الآن
تربط بين الجزائر وكوبا علاقات تاريخية متميزة تعود إلى الماضي النضالي المشترك بين الشعبين والتزامهما بنصرة القضايا العادلة في العالم, وتمهد جودة العلاقات السياسية ببعدها الإنساني, إلى التأسيس لعهد جديد من التعاون الثنائي الوثيق في كافة المجالات, وفي مقدمتها المجال الاقتصادي.
وتتزامن زيارة العمل والصداقة للرئيس الكوبي, السيد ميغيل دياز كانيل, إلى الجزائر مع إحياء البلدين للذكرى ال60 لعلاقاتهما التاريخية, والتي بدأت فعليا قبل استقلال الجزائر واستمرت بعده من خلال دعم القضايا العادلة للشعوب وحقها في التحرر وعلى رأسها القضيتين الفلسطينية والصحراوية, كما تجسدت من خلال التضامن والتعاون وتنسيق المواقف الدبلوماسية في مختلف المحافل الدولية.
وحققت العلاقات المتميزة والمثمرة بين البلدين عدة مكاسب, كان آخرها تنصيب المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائر-كوبا شهر فبراير الماضي, لتكون فرصة للانطلاق نحو عهد جديد من التعاون الثنائي وتعزيز التبادل في جميع المجالات بينها البرلماني والاقتصادي, بما يعكس العلاقات الوطيدة بين البلدين والشعبين.
فعلى الصعيد الاقتصادي, يمتلك البلدان إمكانيات كبيرة لترقية التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما, تم استعراضها خلال انعقاد اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والتقني والثقافي على مستوى الخبراء في فبراير 2019, كما وقع البلدان قبل خمس سنوات على اتفاق لتنصيب مجلس أعمال جزائري-كوبي, والاتفاق على خارطة طريق تكون بمثابة أرضية للتعاون الاقتصادي.
وتشكل زيارة الرئيس الكوبي إلى الجزائر سانحة لتجسيد الإرادة السياسية المشتركة في تعزيز التعاون الاقتصادي واستغلال فرص الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية على غرار الفلاحة والصناعات-الزراعية والأدوية والتجهيزات الطبية, بالإضافة إلى السياحة.
ولا يعكس حجم المبادلات التجارية, الذي يغلب عليه تصدير المحروقات الجزائرية, واقع العلاقات السياسية المتينة وآمال ترقيتها إلى آفاق أرحب بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين.
وبالمقابل, فإن التعاون في المجال الصحي شهد طفرة نوعية, تسعى الحكومتان الجزائرية والكوبية إلى تعزيزها من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارتي الصحة بالبلدين خلال الاجتماع القادم رفيع المستوى في يناير 2023 بجمهورية كوبا.
روقد اتفق وزير الصحة, عبد الحق سايحي, مع نظيره الكوبي, خوسيه أنخيل بورتال ميرلندا, في لقاء جمعهما الاثنين الماضي بالجزائر العاصمة, على البحث عن فرص شراكة جديدة لتعزيز التعاون وتوسيعه إلى مجالات أخرى, ودراسة ثلاثة مشاريع للشراكة وهي التكوين المتواصل لفائدة الأطباء العامين الجزائريين في طب النساء والتوليد والأشعة والإنعاش وتكوين متخصص في طب العيون, إلى جانب التعاون وتبادل الخبرات مع معهد باستور الجزائر في مجال تطوير وإنتاج اللقاحات.
كما تم في شهر نوفمبر 2021 التوقيع على اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية ومركز مراقبة الدولة على الأدوية والمعدات والأجهزة الطبية لجمهورية كوبا, من أجل تبادل المعلومات والمعرفة والخبرات وتعزيز التعاون فيما يخص التكوين وكذا تأهيل وتحسين الموارد البشرية, بالإضافة إلى تشجيع ومساندة الشراكة بين مختلف المنتجين الصيدلانيين والاستفادة من الخبرة الكوبية في مجالات اللقاحات والتكنولوجيا الحيوية.
ويعد قطاع الصحة والتضامن أول تجسيد لإرادة البلدين في إقامة علاقات وطيدة غداة الاستقلال, حيث أن أول بعثة طبية كوبية أرسلت إلى الجزائر كانت سنة 1968.
وتعود أهمية البعد الإنساني في العلاقات بين البلدين والشعبين, أساسا لعمق علاقات الصداقة وكذا التاريخ النضالي المشترك بينهما, حيث تقاسم الشعبان في ثورتيهما نفس القيم النبيلة لاحترام الحقوق الإنسانية المتعلقة بالحرية والسلام ومحاربة كل أشكال الظلم والاستغلال.
وتعد كوبا أول بلد في القارة الأمريكية اعترف في 1961 بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية, كما أن الزعيم الكوبي الأسبق الراحل فيدال كاسترو الذي قام بخمس زيارات دولة إلى الجزائر كان آخرها شهر مايو 2001, قد استقبل بهافانا شهر أكتوبر من سنة 1962, أي بعد مرور بضعة أشهر عن استقلال الجزائر, الرئيس الراحل أحمد بن بلة.
وتعبر الزيارات العديدة لفيدال كاسترو الصديق الوفي للجزائر, عن نوعية العلاقات التي لا طالما ربطت الجزائر بهافانا والمتسمة بتقارب وجهات النظر بخصوص مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك على مستوى هيئة الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز وكذا حوار جنوب-جنوب.