باحث يقترح إنشاء المفوضية العالمية للتربية على التسامح على أرض مصر بالعاصمة الإدارية

 

 

كتبت – حسناء رفعت

في ندوة دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية
أحمد علي سليمان: الإسلام والمسلمون في مصر حافظوا على مكتسبات ومقدسات الأديان الأخرى
أحمد علي سليمان: دار على أرض مصر أعظم حوار بين الله وسيدنا موسى فكان التجلي الأعظم كرامة ربانية لمصر دون غيرها
ويؤكد:
… مصر أصل حضارة العالم ومهدها الأول بالوثائق، وهي البيئة الأولى التي نمت فيها القيم والأخلاق
… ويطالب بإنشاء المفوضية العالمية للتربية على التسامح على أرض مصر في العاصمة الإدارية

أكد الدكتور أحمد على سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن مصر هي البيئة الأولى التي نمت فيها القيم والأخلاق، وأيُّ حضارة تقوم على القيم والأخلاق والتسامح والاعتدال تعيشُ، وتزدهرُ وتزدانُ بين الحضارات، وترقى في سُلَّم الحضارات الخالدة، أما الحضارات التي تُبنى على غير القيم والأخلاق، فإنها تحمل في جنباتها وطياتها أسبابَ السقوط، وعواملَ الانهيار.
جاء ذلك خلال الندوة العلمية التي عقدتها وزارة الأوقاف برعاية الوزير الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي، تحت عنــوان: “دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية” بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بمدينة القاهرة، بحضور كبير.
وقال “سليمان” الحاصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية في خدمة الفقه والدعوة الإسلامية (وقف الفنجري 2022) – إن مصر هى أصل حضارة العالم ومهدُها الأول، ومنبتُ نشوء الضمير، مشيرًا إلى أن الكاتب الأمريكي العالمي (جيمس برستيد 1865 – 1935) أثبت في كتابه (فجر الضمير) أن “ضمير الإنسانية بدأ في التشكل في مصر قبل أي بلد آخر في العالم… وأن ما حفظ حضارة المصريين القدماء هى الأخلاق، وأنهم شيَّدوا منظومة أخلاقية شاملة من القيم والمبادئ التى تحكم إطار حياتهم” قبل الحضارات، ونوه د/ أحمد علي سليمان بأنه محظوظٌ مَن عاش في مصر، أو كتب عن مصر، أو تحدث عن مصر، ومحظوظ مَن شَرِبَ من نيلها، وأكل من خيرها، وعاش على أرضها.
وأشار سليمان إلى أن مصر أول دولة في العالم القديم عرفت الكتابة، وابتدعت الحروف، وكان المصريون القدماء حريصين على تسجيل تاريخهم، والأحداث التي صنعوها، وبهذه الخُطوة العظيمة انتقلت مصر من عصر ما قبل التاريخ، وأصبحت أول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب، ولها نظمها وتقاليدها ولذلك كانت مصر وبحق أُمًّا للحضارات الإنسانية، فقد تلاقت على أرضها الحضارات المتعددة، فكانت مهدًا للحضارة الفرعونية، وحاضنة للحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية، ومنارة للحضارة القبطية، وحامية للحضارة الإسلامية، فصقلت شعبَها بمزيج من التميز الحضاري العظيم.
وقال: إن مصر وشعبها حافظوا على المتبقي من حضارة الجنس البشري من عدوان التتار الذي دمَّر التراث الإنساني لدى عدد من الحضارات التى دخلها، ولم يستسلم الشعب المصري الأصيل مثل ما حدث في باقي الأمبراطوريات، بل استبسل؛ ليحافظ على تراث العالم وإرثه الثقافي ومنتوجه الحضاري.
وأضاف أن الإسلام والمسلمين في مصر حافظوا على مكتسبات الأديان الأخرى، وعلى التراث الإنساني.. وتَبْقى الآثار والأهرامات ودور العبادة المختلفة شاهد عيان على عظمة مصر وتسامحها، لافتا إلى أن مصر عاشت هكذا، وتطورت، وستظل حاميةً للقيم على الدوام؛ بل إنها ستظل تنثرُ حبوب لقاح التسامح في كل مكان.
وأوضح أن مصر هي موطن الرسالات، رويت بماء التسامح، وبزغت فيها المسيحية والإسلام، واتسعت باحتُها جدًّا لتتآخى فيها الأديان، وتتفاعل، وتتعايش بسلام ووئام، على نحو فريد عبر التاريخ المديد.
وأكد أن مصر بلد الخيرات والبركات، فهي المكان الذي احتضن الأنبياء، حيث سارت خطوات الأنبياء على ثراها؛ فجاء إليها سيدنا إبراهيم (عليه السلام) وتزوج منها السيدةَ هاجر، ونشأ فيها نبي الله إدريس (عليه السلام) داعيًا إلى التوحيد، ودخلها نبي الله يعقوب (عليه السلام) وأولاده، وسبقهم إليها نبي الله يوسف (عليه السلام) وأصبح فيها وزيرًا، وأتى بأهله من أرض فلسطين للإقامة فى مصر، وجعلها الله سلة غذاء العالم وخزائن الأرض، وجاء إليها الناس من كل فجٍّ عميق؛ ليأخذوا نصيبهم من الغذاء، بفضل مشورة سيدنا يوسف (عليه السلام) الذي أنقذ مصر والعالم من المجاعة؛ حينما ادخر القمح وخزَّنه فى سنابله.
وأضاف أن على أرضها وُلد كليم الله سيدنا موسى وأخوه هارون (عليهما السلام)، وقد تجلى الله سبحانه فيها على سيدنا موسى، وكلَّمه الله وهو فى أرض مصر بطور سيناء.

وشدد على أن مصر هى الأرض المباركة التي باركها الله، حيث دار على أرضها أعظم حوار بين الله تعالى، وموسى عليه السلام، فكان التجلي الأعظم كرامة ربانية لمصر دون غيرها.
ولفت إلى أن مصر لجأت إليها العائلة المقدسة السيدة مريم وسيدنا المسيح عليهما السلام، وقاموا برحلة تاريخية فيها، وانتقلا منها معززين إلى القدس الشريف، مشيرًا إلى أن سيدنا محمد (عليه الصلاة السلام)، أوصى بمصر وأهلها خيرا؛ فقال (صلى الله عليه وسلم): (إنكم ستفتحون مصرَ، وهي أرضٌ يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلِها؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا)، ويا لها من وصية عزيزة وغالية من الرسول العظيم!!
وأوضح أن مصر جمعت ثنائية فريدة، حيث نعيش فيها، وتعيش فينا على الدوام، ومن هذه الثنائية ترسخت فيها الوحدة الوطنية وثبَتت أمام أقوى الأعاصير وأعتاها، وهي القلب النابض للعروبة والإسلام.
وأكد الدكتور أحمد علي سليمان أن مصر شرَّفها اللهُ، وكرَّمها، وأكرمها، وجعلها كنانته في أرضه، ووهبها مكانة سامقة، فهي أم البلاد، وغوث العباد، وعلى الرغم من أن مصر تعرضت عبر تاريخها المديد لحروب وضغوط واستعمار ومحاولات استلاب من أعدائها ومن الطامعين فيها والمتربصين بها، فإنها لا تزال تعيش وتقاوم وستظل.. تتقلص حينًا، لكنها ما تلبث أن تنتفض عزة وكرامة وحضارة وازدهارا، تتآمر عليها بعض الأنظمة، لكنها أيضا تفاجئ الدنيا ببنيها يصححون الأخطاء ويرتفعون بها إلى عنان السماء.
وأشاد بصلابة مصر، وأهلها، وقوة نسيجها، ومتانة مكوناتها الثقافية والدينية والحضارية، مشيرا إلى أنها علَّمت الدنيا الحضارةَ وأضاءت مشاعلَ النور، ونشرت العلوم والآداب والفنون في كل مكا ن.
ولفت إلى أن مصر هي البلد الوحيد الذى ذُكر فى القرآن الكريم صراحة أربع مرات، كما ذُكرت بالتلميح في أكثر من ثلاثين مرة‏، وهو أمر لم يكن لأى دولة فى القرآن الكريم، منوهًا بأن أغلب الآيات الكريمة التى ورد فيها ذكر مصر تشع بالخير والبركة لهذا البلد الأمين.
وقال إن القرآن الكريم يسجل اعتراف اللغة العربية بعراقة مصر وحضارتها التي تضرب بجذورها طولا وعرضا وعمقا في أعماق التاريخ، مضيفا أن الناظر في حال الأمم والدول والحضارات التي ورد ذكرها في كتاب الله الخالد، يلحظ أن التاريخ طواها في وثائقه، وجسَّد آثارها في متاحفه، وبقيت مصر معززة مكرمة مشرفة في كتاب الله الخالد.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن من بركات مصر نهر النيل الذي نشأت على ضفافه حضارة شامخة، لا يزال إلى الآن لها طلع نضيد يحير الألباب، ومن بركاتها أيضا الأزهر الشريف الذي ينشر نور الإسلام في كل مكان، متابعا أن إرادة الله تعالى شاءت أن تكون مكة البلد الحرام، ومصر، بلاد الأمن والأمان، فقال عن مكة: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ…)، وقال عن مصر: (…ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)، حيث لم تأت كلمة (آمِنِينَ) في القرآن إلا في هذين الموضوعين (موضع لمكة المكرمة، وموضع لمصر) ومن ثمَّ فقد خصَّ اللهُ مصرَ بما خصَّ به البلد الحرام، من الأمن والأمان، لافتا إلى أن جند مصر هم خير أجناد الأرض؛ فهم في رباط وحراسة للوطن والإسلام والعروبة إلى يوم القيامة.
وأكد أن مصر على الرغم من قوتها عبر التاريخ الإسلامي، فإنها لم تكن معتدية أو غازية؛ بل كانت حامية للأديان والأوطان والإنسان، وسندًا للعرب والمسلمين فى كل مكان.
وقال إن المصريين القدماء أسهموا في العلم والحكمة وقدموا حقائق علمية في شتى المجالات، ومنها: دوران الأرض حول الشمس، وتقدير محيط الدائرة، والبراعة في التحنيط وغيره، لافتا إلى أن المصريين (قديما وحديثا) برعوا وأفادوا الإنسانية في شتى مجالات العلوم والطب والهندسة والفلك والزراعة والبناء، والعمارة وصناعة الورق والعطور والمنسوجات، وحملوا مشاعل النور والتنوير في كل مكان، وها هي مصر تبهر العالم بتنظيم رائع لقمة المُناخ، وها هي مصر تبهر العالم بتطوير شتى المجالات والقطاعات وتدشين الجمهورية الجديدة لتضاف إلى مصاف الدول المتقدمة.
ودعا الدكتور أحمد علي سليمان إلى إنشاء المفوضية العالمية للتربية على التسامح على أرض مصر، ويمكن لمصر في إطار تدشينها للجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي أن تنهض بهذا المشروع العالمي وإنجاحه ليضاف إلى رصيد مصر الحضاري في بناء الحضارة الإنسانية.
وفي ختام كلمته قدم الشكر إلى وزارة الأوقاف وصحيفة عقيدتي، على عقد هذه الندوة المهمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى