مابين صانع محتوى ومروج سلعة أو منتج
بقلم: إسحاق الحارثي
نطّلع كل يومٍ في الفضاء الإلكتروني الرحب على إعلانات وترويج لسلع ومنتجات يتم نشرها لأجل الوصول لأكبر عدد من المستهلكين ويتم ذلك عن طريق مُروجي أو معلني تلك السلع أو المنتجات وهذه وسيلة من وسائل الدعاية والإعلان ذات طابع الإنتشار السريع التي تلجأ إليها بعض المؤسسات والشركات والمحلات والمستشفيات والفنادق والمطاعم إلخ… وذلك لقلة تكلفتها المالية وسهولة إعدادها بخلاف المادة الإعلانية الاحترافية والمتعوب عليها والتي تُنتهجها بعض الفئات المعلنة الآنفة الذكر والتي لا ترضى بسمعتها ومكانتها أن تخرج بإعلان عن طريق هاتف محمول.
قد تحمل بعض تلك الإعلانات والترويج لبعض السلع والمنتوجات فائدة لجميع الأطراف المعلن عن سلعته أو منتج ما، والمروج لها الذي قام بعمل الإعلان والدعايا، وغالبًا ما يكون الطرف المستهدف هو المستهلك الذي ينجّر أحيانًا وراء إعلان منمق ومزخرف يصّور له بالطريقة الغير حقيقية التي ينصدم بها لاحقًا.
تداعيات كثيرة سمعناها وعايشناها ووقع الجدل عليها تخص هذا الجانب بل يتطور الأمر أحيانًا إلى إعلانات وهمية يتنصل منها صاحب الإعلان والشخص المعلن أو المروج لهذه السلعة أو المنتج.
دول عديدة فرضت وسنت أنظمة وقوانين ولوائح تختص بهذا الجانب وذلك لتنظيم هذا السوق على سبيل المثال طبقت هيئة الإعلام المرئي والمسموع في المملكة العربية السعودية مؤخرًا قرار منع الإعلانات بمنصات التواصل الاجتماعي للأفراد بدون إصدار ترخيص موثوق، حيث يعتبر ترخيص الإعلان إلزاميًا لمزاولة الإعلانات، ولم تكتفي بذلك بل شددت الهيئة على إلزام المعلن بإصدار ترخيص موثوق حتى وإن كان خارج المملكة وفي حال لم يلتزم بذلك سيتم فرض العقوبات من جهات الاختصاص، مؤكدة أنه يمكن للفرد إصدار الترخيص، وذلك بعد امتلاكه سجلاً تجاريًا وترخيصًا من مكاتب الدعاية والإعلان الإعلامية المرئية والمسموعة، ومكاتب التسويق ووكالات الدعاية.
وفي نفس الإطار أصدرت وزارة التجارة والصناعة بدولة الكويت قانونًا بتنظيم الأعمال ذات الطابع التجاري في مواقع التواصل الاجتماعي، سواءً كانت إعلانات ترويجية أو عروضًا أو بيعًا على مستوى الأشخاص أو الشركات، وأكدت الوزارة أنها لن تسمح بممارسة النشاط التجاري من دون غطاء قانوني، سواءً كانت الممارسة عبر الأُطر التقليدية من خلال مقر تجاري يتعامل مباشرة مع المستهلكين أو حتى على مستوى التجارة الإلكترونية للشركات والأفراد.
إن مثل تلك القوانين والتشريعات والأنظمة كفيلة بحماية المستهلك من الوقوع في كل ما يبّث بشكل يومي من ترويج وإعلان لسلعة ما، بل تحمي حقوق الجميع في حال وجود أي وجه آخر للإعلان ومن شأنها تنظيم عملية الإعلانات والترويج لتكون وفق رقابة الجهات المختصة قبل أن تصل للمستهلك وأن لا تحمل الإسفاف وخدش الحياء العام مثلما نشاهده في بعض الإعلانات الغير مسؤولة.
يذكر أن مجلس الدولة بسلطنة عُمان وجه في وقت سابق بتنظيم هذا السوق من خلال فرض قانون ينظم عمل الضبطية الإعلانية عبر مختلف الإعلانات بوسائل التواصل الاجتماعي.
نأتي للطرف الآخر الذي غالبًا ما تلجأ إليه تلك الفئات المعلِنة وهو المروج وغالبًا ما يكون من مشاهير التواصل الاجتماعي الذي همه الأكبر قيمة الإعلان وبطبيعة الحال القليل من يهمه المحتوى حيث تنتقل عبر هواتفنا يوميًا مقاطع فيديو مصّورة تحمل من الغث والنحيف إن صح التعبير وغالبًا ما نشاهد السمين من تلك الإعلانات و التي تتصدر مشهدها تلك الفئة التي هي بعيدة عما تُلقب وتطلق على نفسها كلمة “مشاهير” ولست أدري من أين اكتسبت تلك التسمية.
المشاهير كلمة تطلق على من يصنع محتوى ومن يوّلد أفكارًا ويطرح ويناقش قضايا مؤثرة يستفاد منها وتخدم شريحة كبيرة من المجتمع وليس على فئة تروج للسلع.
كم نحن بحاجة اليوم إلى صانعي المحتوى لنشر ثقافة الاستهلاك وحماية المستهلك من تلك الدعاية وكيفية التعامل معها خصوصًا ما يصل للفئات السنية المراهقة التي لا تستطيع مقاومة تلك الإعلانات فتنجرف وتنجّر نحوها بشكل اندفاعي دون النظر لتبعات تلك الإعلانات و ما ينتج عنها من عواقب.
ما يحز في الخاطر اليوم أن من يسمون أنفسهم بـ”مشاهير التواصل الاجتماعي” يلاقون دعمًا من جهات معينة تزكيهم وتقدمهم من حيث الأولوية في حضور أحداث وفعاليات داخلية وخارجية لأجل تسجيل مقطع فيديو لايزيد عن دقيقة ونصف، فيما تتناسى الأدباء والكتاب والمثقفين والإعلامين والصحفيين وصناع المحتوى وأصحاب القلم والفكر والعقل من يعصف ويعصر ذهنه لأجل كتابة مقال أو صناعة محتوى أو تدوين أعمال أدبية، وهذا مؤشر خطير يجرنا نحو الابتعاد عن الفكر والأدب والثقافة وركنهما في خانة قد تؤثر سلبًا يومًا ما على مستوى الوعي العام للأدوار التي تقوم بها هذه الفئة وتقديم فئة التواصل الاجتماعي لتكون مرآة تعكس صورة المجتمع الثقافي العُماني في مشاركاتها.