الدكتور محمود زايد يكتب: حلول للأزمة العراقية في مشهد قاهري
قد تأخذنا تطورات حالة سياسية لدولة ما في منطقة الشرق الأوسط إلى قناعة بجسامة العراقيل والعقبات التي تقف حائلاً أمام خروج هذه الدولة من محنتها ومنحدرها، لاسيما إذا كانت تلك العراقيل من خَرَاجِ أبناء البيت والمكون الواحد في بلد لا يزال اختلاف المكوّن أو الحزب عن الآخر مُعتبرًا ومحورًا في سياساته الداخلية والخارجية، مثلما يحدث حاليًا بين الكتل والأحزاب الشيعية في العراق، في مشهد يؤرقنا نحن المصريين وكل المخلصين على عراق نُعدُّ استقراره دعمًا لاستقرار المنطقة، وازدهاره لبنة تقدمية لبلادنا أيضًا، والعكس كذلك.
لكن في السياسة لا تبقى الصورة قاتمة دائمًا، ولا وردية باستمرار، خاصة حينما يتوفّر من العوامل والنماذج المُحفزة والداعية إلى حتمية الاستقرار وأهميته؛ إرضاءً للقاعدة الشعبية بتوفير وضع اجتماعي عادل بينهم، وحفظًا لهيبة الدولة، وحمايتها من انتهاك سيادتها إقليميًّا ودوليًّا.
ترجمةً لذلك، شهدت القاهرة مساء السبت 27 أغسطس 2022م هذا النموذج الإيجابي متمثلاً في إقليم كوردستان العراق وقياداته الحكيمة، وذلك في الاحتفالية التي أقامها مكتب الحزب الديمقراطي الكردستاني في مصر على ضفاف نهر النيل، في طقس ربيعي بديع في غير أوانه؛ إحياءً للذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، بحضور كوكبة من السياسيين والأكاديميين والمثقفين والصحفيين والفنانين المصريين والعراقيين والكورد، وكذا من فلسطين وبلغاريا.
في هذه الاحتفالية رأينا نموذج إقليم كوردستان الذي أشادت به السفارة العراقية في كلمتها، مقدمة التحية والتقدير والمباركة للسيد مسعود البارزاني – الزعيم الكردي ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني – مثمنةً جهوده وحزبه، وداعية إلى ضرورة العمل المشترك لما يخدم عموم مكونات الشعب العراقي. أكد ذلك أيضًا الدكتور محمد أبو كلل مسؤول العلاقات العربية في تيار الحكمة، الذي أشاد بنموذج إقليم كردستان، وأثنى على دور الحزب الديمقراطي الكردستاني في النضال التاريخي والتعاون مع المعارضة العراقية الوطنية في مقارعة الاستبداد في العراق. إلى غير ذلك من الإشادات التي تؤكد أن الكورد بما لديهم من رصيد نضالي وطني يستطيعون أن يكونوا رمانة الميزان لحلحلة الأزمة السياسية في بغداد.
ولم يذهب مسؤول الحزب الديموقراطي الكردستاني في القاهرة، السيد شيركو حبيب، بعيدًا عن ذلك؛ فقد جسّدت كلمته في الاحتفالية، ما يتوق إليه إقليم كوردستان بقياداته ومسؤوليه، على رأسهم الزعيم مسعود البارزاني، الذين لم يألوا جهدًا في دعوة ومنادات الجميع أكثر من مرة إلى أهمية تلاحم مكونات كل الشعب العراقي، والتزام أحزابه ونخبه السياسية بإعلاء المصالح العليا للوطن؛ لبناء عراق ديمقراطي مدني ذات سيادة واستقلالية تامة، عراقٌ يوفّر حياة كريمة لمواطنيه، ويحفظ هيبته وكرامته، ويحدّ من التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية، ويحافظ على ترابه المقدس من الطامعين فيه والمعتدين عليه بين آن وآخر. وفي هذا الإطار شددت بيانات السيد مسعود البارزاني ورئيس الإقليم ورئيس وزرائه أن الوصول إلى ذلك لا يتأتى إلا بالحوار المباشر، وأن عاصمة إقليم كردستان فاتحة أبوابها لكل من يعمل بإخلاص لخروج العراق من تأزماته التي تفاقمت أكثر منذ انتخابات أكتوبر الماضي البرلمانية.
إن هذه اللُّحمة للمكونات العراقية التي عادة ما تتـناغم على أرض الكنانة المصرية في ظل خيمة واحدة خلال المناسبات الوطنية والقومية، تدلل على أن العراق ذا التاريخ العريق قادرٌ على أن يتجاوز أزمته السياسية والاقتصادية على أيدي المخلصين من أبنائه وقادته، وأن لديه من الإمكانات والقدرات ما يبعث على الوصول إلى هذا البعد الوطني كغيره من الدول المستقرة والمزدهرة في المنطقة. على الجانب الآخر فإن الدول العربية عليها مسؤولية كبيرة بأن تهتم بحاضر مستقبل هذا البلد الشقيق من خلال الأطر الشرعية والقنوات المتاحة بما يساعد أشقاءنا العراقيين لإيجاد حل وطني للعراق، حتى لا يظل ساحة لفرض النفوذ والإرادات الخارجية، ولا يبقى صورة غير مستقرة ومضطربة في منطقة الشرق الأوسط. كفى ما تحمله العراقيون من عنت ومآس طيلة مائة سنة مضت!.
*الكاتب أستاذ أكاديمي مصري متخصص في شؤون الشرق الأوسط