الشيخ أحمد تركي يتحدث عن الولاء الوطنى والشخصية المصرية
جاءت كلمة الولاء فى اللغة العربية بمعنى : المحبة والنصرة !
ولفظ الولىّ يعنى : المحب النصير ،
كما جاءت كلمة الولاء بمشتقاتها فى القرآن الكريم بنفس المعنى ( الحب والنصرة ).
فالولاء لله تعالى هو ولاء مطلق لا يرتبط بزمن أو مكان أو نعم أو ابتلاءات ،،،،
إنه حالة حب وخضوع من العبد لربه ، وحالة حب ونصرة من الرب لعبده ،،،
قال تعالى : ” إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ” (196). الأعراف.
فعلى قدر ولاء العبد لربه حباً وطاعةً راضيةً ، على قدر حب الله تعالى ورعايته لعبده ،،،
قال تعالى :
” إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ” محمد 7.
” يحبهم ويحبونه ” المائدة 54.
وأوجه الولاء فى اللغة العربية وفى القرآن تتناغم تماماً مع علم النفس وفطرة الإنسان السوية ….
حيث أن الولاء من الاحتياجات النفسية للإنسان منذ ولادته وفق ما ذكره عالم النفس السويسرى كارل غوستاف يونج ( من 1875 م —— 1961م)
فالانسان بحاجة إلى :
1- الولاء للعقيدة. ( الولاء لله والتى سماها القرآن الولاية يعنى اعطاء ولاء الانسان لله ).
2- الولاء للذات
3- الولاء للأسرة
4- الولاء للوطن
5- الولاء للأسرة الإنسانية
وذكر يونج أن الدين هو أحد أهم دوافع النفس البشرية ، فى مساحة الولاء ،،،
كما بين وفق نظريته التى سجلها – نظرية التحليل النفسى ، أن الولاء جزء منه فطرى ! وجزء آخر مكتسب من البيئة التى يعيش فيها الإنسان
ونظرية التحليل النفسى تقسم عقل الإنسان إلى مستويين : الشعور ( العقل الواعى). و اللا شعور ( العقل الباطن )
وبالطبع هذه المفاهيم النفسية تتوافق مع رؤية القرآن وفق الآية الكريمة ” وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ” طه : 7.
فالجهر بالقول والسر. هو الشعور
والأخفى من السر هو اللا شعور. أو العقل الباطن حيث تسكن المعلومات فى المستويات الأعمق من العقل البشرى ،،،
واللاشعور الفردى. اكتشفه فرويد
أما اللاشعور الجمعى فقد اكتشفه يونج فى نظريته المشهورة ،،، وقال : أن اللاشعور الجمعى ( أو ما نسميه العقل الجمعى ) تختزن فيه خبرات الجنس البشرى المتراكمة عبر الأجيال لجنس البشر !! أو لأمة أو شعب من الشعوب ،،،
مثل حب الأم. لا نتعلمه. بل نرثه من اللاوعى ،،،
انتهى. كلام يونج.
وبالتالى وفق العقل الجمعى للشعب المصرى مثلاً يمكن تفسير ارتباط الفرد المصرى بأرضه منذ آلاف السنين ،،،
فقد ارتبط المصرى بأرضه حباً وتضحية وحارب للحفاظ على تلك الأرض ووقف على حدود بلده مدافعاً ومرابطاً ،،،
حتى قال رسول الله عنه فإنهم فى رباط إلى يوم القيامة !!
فارتباط المصريين ببلدهم وأرضهم مختزن فى العقل الجمعى واللاشعور الجمعى منذ آلاف السنين ،،، وبطولة أبطال مصر القدماء من آلاف السنين هى هى بطولة أبطال مصر حديثاً فى التضحية بأرواحهم فداءً لها ونيل الشهادة فى سبيل الله دفاعاً عنها .
والعقيدة القتالية للجيش المصرى من آلاف السنين هى هى العقيدة القتالية للجيش المصرى عبر الأجيال وإلى يوم الناس هذا ، حيث تقوم على أن القتال هدفه حماية مصر وأمنها القومى من أعدائها وتأمين مصالحها فى الداخل والخارج ،،،
وأخلاق جند مصر أثناء الحرب والسلم هى هى لم تتغير ، ففى عصر الملك بيبى الأول الذى رد غارات البدو عن حدود مصر الشرقية ومعه جيشه القوى ، كتب أحد قادته ويدعى ” ونى” تقريراً عسكرياً عن جيش مصر وهو يقاتل البدو وتم تدوين هذا التقرير باللغة الهيروغليفية على جدران مقبرته بأبيدوس – مركز البلينا بسوهاج ،،
قال القائد ” حارب جلالته سكان الرمال الآسيويين .. وقد حشد جيشاً مؤلفاً من عشرات الآلاف من الجند من الوجهين القبلى والبحرى ، لم يتشاجر أحد منهم مع غيره ، ولم ينهب أحد منهم خبزاً من أية مدينة ، ولم يستولى أحد منهم على عنزة واحدة ،،،، انتهى تقرير القائد
فمصر لها شخصية تتميز بها عن بقية الأمم سواء كانت شخصية المصريين أم شخصية مصر الاعتبارية ، و وصفها المرحوم جمال حمدان وصفاً دقيقاً من كل الجوانب فى كتابه الشهير شخصية مصر دراسة فى عبقرية المكان .
والشخصية المصرية : هى الصفات السائدة للفرد المصرى والمجتمع المصرى وفق الفطرى منها الذى ورثوه من اللاوعى الجمعى ، أو المكتسب وفق ما يعيشونه اليوم !!!
— وقد كتبت لحضراتكم قبل ذلك عن الحروب الحديثة وكيفية مواجهتها ، وذكرت أن من الحروب الحديثة الموجهة ضدنا ، اضعاف الولاء والهوية لدى الشباب المصرى خاصة ،،،
ولقد عمد الاستعمار العالمى إلى تأسيس جماعات دينية فى مصر من مائة عام تقريباً تعلن نصرة الدين بشعارات دينية برّاقة ،،، وولاؤها الكامل مع الاستعمار بهدف تسويق الكذب والافتراء حول الدين والوطن ، ونشروا شائعات كاذبة تتدعى أن الوطنى ضد الدين. والدين ضد الوطن. والولاء لله فى خصومة دائمة مع الولاء للوطن !!! الخ.
واعلنوا من خلال منابرهم أن الوطن حفنة من التراب العفن وشرعنو ا خيانة الوطن وسوقوها على أنها نصرة للإسلام !!!
وللأسف الشديد كانت المجابهات العلمية والدينية لهذا الافتراء خلال مائة عام ضعيفة جدا ، ولم تكن فى بؤرة اهتمام الكثير من النخبة وعلماء الأزهر !! ولذلك صُدم جيلنا بتسميم العقل الجمعى المصرى وخاصة عند الشباب بمثل هذه الشائعات الدينية !!!
فالولاء الوطنى لا يتعارض مع الولاء الدينى ،،،
بل يكمل أحدهما الآخر
والولاء الوطنى جزء من الولاء لله تعالى ،،،،
لقد أنزل الله تعالى سورة البلد لتدحض تلك الفرية وتقتلعها من جذورها ،،،
قال تعالى ” لَآ أُقۡسِمُ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ (2) سورة البلد.
وأنت حل بهذا البلد. يعنى أنت جزء من بلدك. ،،،
ورغم أن البلد هنا مكة المكرمة ! إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم أقرّ انتماءات الصحابة لبلدانهم ولا يزالون يعرفون بها حتى الآن ،،،،
سلمان الفارسى – صهيب الرومى – بلال الحبشى – الخ.
ولو كان الانتماء إلى البلد أو الوطن حرام شرعاً كما تدعى الجماعة الإرهابية لنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقاب هؤلاء الصحابة وغيرها من بلدانهم إلى شيء آخر …
بل أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حبه لمكة الوطن عندما غادرها وقت الهجرة وقال : والله إنك لأحب بلاد الله إلىّ ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت !!!
- وبين القرآن أن الولاء جزء من فطرة كل المخلوقات التى تعيش فى أمم ، وجاء بقصة النملة وهى تحذر قومها فى معرض الحديث عن معجزة سليمان عليه السلام فى سورة النمل.
قال تعالى : ” حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. سورة النمل.
فهذه النملة مارست الولاء بكل معانيه وحذرت أمتها حتى لا يحدث لهم ضرر. ،،،
وقال تعالى : وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) الأنعام.
وعلى هذا فالتصدي للحروب الفكرية والثقافية الحديثة التى تسمم عقول الشباب بهدف إضعاف الولاء الوطنى لديهم بات ضرورة دينية ووطنية ،،،
وخاصة أن مصر دولة قوية بذاتيتها ومعظم شعبها من الشباب الذى يستهدفه الأعداء فى هويته الوطنية ،،،، والضعف الحقيقى لمصر لن يكون إلا بهذا المدخل ،،،
فوفق آخر تقرير للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن سكان مصر ،،،
تُشكل الفئة العمرية الأقل من 15 سنة حوالى ثلث السكان تقريباً بنسبة 34.2 فى المائة
وعدد الشباب فى الفئة العمرية من 18 —- إلى 29 بلغ 21.3 مليون نسمة يعنى أكبر من سكان عدة دول عربية مجتمعة ،،،
ونسبة سكان الحضر بلغ 42.9 فى المائة بينما نسبة سكان الريف بلغ 57.1 فى المائة.
والمطلوب منا كنخبة مصرية مسئولة عن عقل مصر ، إزالة العوائق والسموم الفكرية والثقافية التى أضعفت الولاء الوطنى عند عشرات الملايين من شبابنا !!
وأيضاً العمل على إدماج هؤلاء الشباب روحياً ونفسياً وعقلياً فى المشروع الوطنى ، وربطهم ببلدهم.
ولقد أعطانا الله تعالى فرصاً كثيرة ووسائل عظيمة يمكن بها ومن خلالها تحقيق هذا الهدف ،،،
وهناك نظرية ” الجشطلت ” – وهى نظرية ألمانية الأصل تعنى انتظام كل الأفراد فى البناء العام.
يعنى كيف نحشد كل أفراد المجتمع المصرى فى الحضر الذى يمثل 42.9 فى المائة وكذلك كل أفراد الريف الذى يمثل 57.1 فى المائة نحو الولاء الوطنى بالعمل عن حب وتضحية فى إطار البناء الوطنى فى الجمهورية الجديدة !!
وبالطبع يذكرنا هذا بقول النبى صلى الله عليه وسلم :
” مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر “
يعنى كل فرد يؤدى دوره بتناغم وانسيابية !!
وبالنظر لتلك المعانى والواقع المصرى تثار عدة أسئلة يمكن النقاش حولها فى الحوار الوطنى الذى دعا إليه سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى وقت افطار الأسرة المصرية فى رمضان الماضى والمتوقع إقامته بعد أيام قليلة !
- ما هو الخطاب الدينى المناسب لتصحيح مفاهيم عشرات الملايين من الشباب المصرى حول الولاء الوطنى ودمجهم مرة أخرى ؟ وكيفية صناعة هذا الخطاب بحيث أن يكون مؤثراً وشيقاً ومراعياً لمداخل الشباب النفسية والفكرية ؟
وكذلك الخطاب الاعلامى والخطاب التعليمى … الخ.
وما هى الاجراءات التى ينبغى تحقيقها لصناعة هذا الخطاب وخاصة فى ظل وجود امكانيات ضخمة مهدرة ، وفرص كثيرة ضائعة ؟
وللحديث بقية ،،،