رئيس هيئة الأوقاف الأسبق يكتب عن نائب الشيوخ أحمد تركي: “عالمٌ يُكرَّم.. وأمةٌ تُنصف رجالها”

بقلم: المهندس الاستشاري صلاح الجنيدي
عرفته منذ أعوامٍ مضت، حين كان إمامًا وخطيبًا لمسجد النور بالعباسية، أحد أكبر وأشهر مساجد القاهرة، ومناراتها الدعوية المضيئة.
هناك، وسط ذلك الجمع الكبير من المصلين، كان صوته يملأ الأرجاء وقلبه يملأ الأرواح.
شابٌّ مضيء الوجه، مهيب الطلعة، يحمل في هيئته سَمْت العلماء ووقار العارفين.
جمع بين علمٍ راسخٍ وفكرٍ مستنيرٍ وأدبٍ رفيع، فكان الناس يلتفون حوله حبًا وإجلالًا، يسمعون منه ما يُحيي القلوب قبل أن يُقنع العقول.
ثم جاءت أيام الثورة…
اضطربت الساحات، واهتزّت النفوس، وتفرقت الكلمة بين تياراتٍ متناحرةٍ ومشارب متضاربة.
وفي خضمّ هذه الفوضى، حين امتلأ المسجد بأصواتٍ متعارضة، وقف هو بثبات النور وسط العتمة، يقود بعقله الحكيم وحكمته الراسخة الموقفَ المعقد، حتى تجاوز المسجد الفتنة بسلامٍ ووقار.
أطفأ نيران الغضب بكلمة، وأعاد للعقول رشدها بنظرةٍ هادئةٍ ملؤها الإيمان.
كان — بحق — رجل الموقف، وصوت العقل، وضمير الدعوة في لحظةٍ كانت فيها العقول تموج كالبحر الهائج.
لكن سنة الله ماضية في امتحان عباده المخلصين…
فقد شاء الله أن يُبتلى الشيخ أحمد تركي بظلمٍ بيّنٍ حين غارت منه نفوسٌ ضعيفة، خافت من علمه وتأثيره، فدبّرت له المكائد واستعملت السلطة في غير موضعها.
تآمروا عليه وأقصوه من منبره، بل ومن عمله كله، ظانّين أنهم أطفأوا شمعة الحق، غير مدركين أن النور الذي يزرعه الله في القلوب لا تطفئه ريح الحسد ولا ظلام الكيد.
ومضى الشيخ أحمد تركي صابرًا، محتسبًا، راضيًا بقضاء الله، يردّ على الجفاء بالعلم، وعلى الظلم بالثبات.
الإدارية العليا تلغي قرار وزير الأوقاف بفصل الداعية أحمد تركي وتعيده للعمل مع شامل مستحقاته
انتقل من منبر المسجد إلى منابر الإعلام، فصار ضيفًا كريمًا على شاشات التلفزيون، يُطلّ عبر حلقاته وبرامجه الدينية والفكرية بوجهٍ بشوشٍ وكلمةٍ رصينةٍ تحمل علمًا رفيعًا وفهمًا وسطيًا عميقًا.
تعلّم الناس من حديثه معنى التوازن في الدين، والاعتدال في الفهم، والرحمة في الخطاب.
صار صوته حاضرًا في كل بيتٍ من بيوت الوطن، يذكّر، وينصح، ويُرشد، ويُعيد للناس ثقتهم في الكلمة المخلصة والعالم الصادق.
ومرت الأيام… حتى جاء وعد الله الحق.
صدر القرار الكريم من القيادة السياسية بتعيين فضيلة الشيخ أحمد تركي عضوًا في مجلس الشيوخ المصري، ذلك المجلس الذي يُعنى بصياغة القوانين، وحراسة القيم، وصناعة الرؤية الفكرية والأخلاقية للمجتمع.
قرارٌ لم يكن مجرد تكليفٍ إداري، بل كان تكريمًا ربانيًا وعدلًا مؤجلًا ونصرًا مؤزرًا.
اليوم، لم يُكرَّم الشيخ أحمد تركي وحده، بل كُرِّمت معه كل القيم النبيلة: الصبر، والإخلاص، والإيمان بأن الله لا يخذل من صدق.
اليوم انتصر النور على العتمة، والعلم على الغدر، والخلق على الكيد.
اليوم أشرقت مصر بوجهٍ جديد من وجوهها المضيئة، رجلٍ جمع بين الفكر والعلم، بين الثبات والتواضع، بين الدعوة والوطن.
اليوم لا نحتفل برجلٍ واحد، بل نحتفل بمعنى عظيم:
أن النور مهما خفتَ بريقه لحظةً، فسيعود أكثر إشراقًا.
أن المظلوم مهما طالت محنته، فسيقوم يومًا مرفوع الرأس، مكرم المقام.
وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
“فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ.”
نبارك لفضيلة الشيخ أحمد تركي هذا المنصب الرفيع الذي جاء تتويجًا لمسيرةٍ من النقاء والعطاء،
ونبارك لمصر برجالها الذين يُضيئون طريقها بصدقهم،
ونبارك لأنفسنا لأننا شهدنا كيف يعود الحق إلى أهله، وكيف يُشرق النور بعد طول الغياب.
نعم… لقد نصر الله الشيخ أحمد تركي،
ونصر معه كل من آمن بأن الصدق لا يُهزم،
وأن الشمس، مهما حجبتها الغيوم، لا بد أن تُشرق من جديد.