بقلم: الباحث الهولندي الأستاذ الدكتور مرزوق أولاد عبدالله أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة View – أمستردام – هولندا سابقا
لقد أثبتت مصرُ الدولةُ الكبرى في العالم العربي، بموقفها التاريخي الصارم من رفض التهجير والثبات عليه، أنها ما تزال تمثل الضمير الحيّ للأمة العربية، وخط الدفاع الأول عن قضاياها المصيرية. فقد وضعت القاهرة خطًّا أحمر واضحًا أمام أي محاولة لإخراج الفلسطينيين من غزة إلى أراضٍ مصرية أو غيرها، وأعلنت بجلاءٍ أن أمن فلسطين من أمن مصر، وأن المساس بحقوق الشعب الفلسطيني هو مساسٌ بكرامة الأمة كلها.
وكانت مصر – في تقديري – مستعدةً بالفعل لتحمّل تبعات قرارها الجريء، مهما كلّفها ذلك من ثمنٍ سياسي أو عسكري، لأن قضية التهجير بالنسبة إليها مسألة وجودٍ لا تحتمل المساومة، أو كما يُقال: قضية حياةٍ أو موت. بل إنها كانت على أتمّ الاستعداد – لو اقتضى الأمر – لخوض مواجهةٍ مدمّرة دفاعًا عن ثوابتها الوطنية والعربية.
ولم يتوقف الدور المصري عند حدود الرفض فقط، بل امتد إلى الفعل والتأثير الميداني والدبلوماسي، من خلال دورها المحوري في التوصل إلى اتفاقٍ لإطلاق سراح المحجوزين، بما عكس وزنها الإقليمي ودورها الإنساني المسؤول. وزيادةً على ذلك، سجّل التاريخ موقفًا لافتًا حين رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوةَ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لزيارة البيت الأبيض، في رسالةٍ واضحةٍ بأن مصر لا تُساوم على مبادئها، ولا تُقاد بسياسة الإملاءات.
إن هذه المواقف المتراكبة والمتماسكة جعلت ترامب يُعيد التفكير ألف مرة قبل الإقدام على أي خطوةٍ من قبيل تهجير الفلسطينيين، وأكدت أن مصر – بموقفها الصلب – ليست مجرد متفرج على مسرح الأحداث، بل فاعلٌ رئيسٌ في صياغة مسارها.
وعليه، فإن مصر قد أسهمت إسهامًا بالغًا ومؤثرًا في وقف الحرب، لا يقلّ في أهميته عن إعلان ترامب نفسه وقف العمليات العسكرية، لتثبت للعالم مرة أخرى أن القاهرة – حين تتكلم – يسمع الجميع، وحين تثبت على الحق، يرتدّ الباطل خاسئًا وهو حسير…