متلازمة السعادة ورياضة الأيكيدو – دمج وتمكين بإشراف د. ناصر رستم

د. محمود عثمان – القاهرة
حين تلتقي الرياضة بالفكر الإنساني: متلازمة داون تدخل عالم الأيكيدو
تحت إشراف د. ناصر حسين رستم – اختصاصي بالعلاج الفيزيائي للرياضيين وإعادة تأهيلهم بعد الإصابة والاستشفاء
وفي ظل الجهود المبذولة لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، جاءت مبادرة فريدة من نوعها في سوريا، تمثلت بإدخال رياضة الأيكيدو، ذات الطابع الدفاعي، إلى عالم المصابين بمتلازمة داون، حيث يشرف على هذا المشروع الريادي الدكتور ناصر حسين رستم، الاختصاصي في العلاج الفيزيائي وإعادة تأهيل الرياضيين.
الأيكيدو.. رياضة تتجاوز الدفاع عن النفس
الأيكيدو، تلك الرياضة اليابانية التي تقوم على مبدأ الدفاع لا الهجوم، وعلى استخدام طاقة الخصم ضده، ليست مجرد رياضة بدنية بل هي فنّ إنساني شامل. تهدف إلى تحقيق التوازن بين الجسد والعقل، وتعزيز الصفاء الذهني، ضبط النفس، التركيز، والهدوء الداخلي. لا تعتمد الأيكيدو على القوة الجسدية، بل على المرونة والانسيابية، ما يجعلها مناسبة لمختلف الفئات العمرية والبدنية، وحتى لأشخاص في السبعين من العمر.
لماذا الأيكيدو؟
بحسب د. ناصر رستم، فإن هذه الرياضة “تسهم في بناء شخصية متوازنة عبر مفاهيم الدفاع عن النفس، وتزيد من ثقة الممارس بنفسه، وتجعله أكثر هدوءاً واتزاناً”، وهو ما يعتبر مثالياً في التعامل مع متلازمة داون، لا سيما في ظل التحديات النفسية والسلوكية التي قد تواجه هذه الفئة.
رياضة الأيكيدو وأثرها النفسي
أظهرت الدراسات أن ممارسي الأيكيدو يتجهون نحو تكوين اتجاهات نفسية إيجابية، حيث تنعكس ممارسة هذا الفن القتالي على الصحة العامة واللياقة البدنية، وتساعد على تقليل التوتر وتحقيق التوازن النفسي. ومن أهم فوائدها:
تحسين التركيز والروية.
زيادة الثقة بالنفس. دعم الجهاز المناعي. تقوية الجهاز العصبي والعضلي. تعزيز المهارات الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين.
تجربة فريدة في دمشق: فريق “متلازمة السعادة”
في نوفمبر 2019، بدأت التجربة الأولى من نوعها في سوريا، حيث تم تشكيل فريق أيكيدو من فئة متلازمة داون تحت اسم “متلازمة السعادة – أيكيدو” في مدينة الفيحاء الرياضية بدمشق. انطلقت التدريبات على يد متخصصين بإشراف مباشر من د. ناصر رستم، وتضمنت تعليم المهارات الأساسية لحركات الأيكيدو، ضمن بيئة تفاعلية تعليمية.
رغم صعوبات جائحة كورونا، استمرت التدريبات بفضل عزيمة المشاركين والتزام الأهالي، وبرزت استجابة لافتة من قبل اللاعبين الذين أتقنوا الحركات الأساسية بسرعة، ما فتح المجال للتخطيط لتطوير هذه التجربة لتصبح مشروعاً وطنياً.
الدمج المجتمعي وتقليل السلوك العدواني
من أبرز أهداف البرنامج، حسب د. رستم، هو التقليل من السلوك العدواني وتحسين التفاعل الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة القابلين للتعلم. النشاط البدني المكيف له دور فعّال في تعديل السلوك وتوليد مشاعر إيجابية من الفرح والانتماء والثقة.
وقد أكد د. رستم أن هذه المبادرة “ليست مجرد تدريب جسدي، بل خطوة نحو بناء مجتمع متكامل ومتسامح، حيث يتم دمج أبناء متلازمة داون في النسيج الاجتماعي بشكل إيجابي وفعّال”.
خطط مستقبلية وتوسّع مدروس
تشير الخطط المستقبلية إلى إعداد مدربين متخصصين في تدريب ذوي متلازمة داون على الأيكيدو في مختلف المحافظات السورية، ليتم توسيع التجربة وجعلها جزءاً من برامج التأهيل والدعم النفسي لهذه الفئة، بالتعاون مع مؤسسات أهلية وتعليمية وطبية.
ختامًا
الأيكيدو ليس فقط فنًا قتاليًا، بل رسالة إنسانية عميقة، تحمل في طيّاتها احترام الذات والآخر، الهدوء بدل العنف، والانسجام بدل الصراع. ومتى ما التقت هذه المبادئ بروح العطاء والرغبة الصادقة في الدمج المجتمعي، تتحقق المعجزات. فريق متلازمة السعادة هو خير دليل على ذلك.