مبادرة: رَجِّع قلبك

✍️منى جمال
في زمنٍ تكاثفت فيه غيوم القسوة، وتبلدت فيه المشاعر، واعتادت الأرواح أن تمضي دون التفاتٍ للأنين الخافت في عيون المارة… أُطلق ندائي، لا لأُحدث ضجيجًا في ساحة المبادرات، ولا لأدّعي فضلًا أو مكانة، بل لأنني – ببساطة – أؤمن أن في كل إنسان قبسًا من نور، وإن غطّاه الرماد.
رَجِّع قلبك… ارجع إلى إنسانيتك. دع عنك غلظة القلب وجفاء اللسان، فقد قال تعالى:
“فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنْ حَوْلِكَ…”
[آل عمران: 159]
هذه ليست فقط آية تُتلى، بل مرآة تعكس حال القلوب حين تُقسى، وحال الناس حين يُنفّرهم من بينهم الجفاء، لا الخطأ.
مبادرتي ليست حملة لردع التنمّر، ولا محاولة لانتشال الضحايا من ظلمة التجاهل – فهناك من هم أقدر، وأجدر، وأعمق علماً ودراية – لكنها همسة، ربما تصل في لحظة يُحتضر فيها الأمل. ربما تكون كلمتي تلك البذرة التي تلامس قلبًا كاد أن يُطمس، أو تهمس لعقلٍ أرهقه التذمر والنبذ، فظنّ أنه خُلق للأذى لا للخير.
كم من إنسان كان يحمل الخير كلّه، ثم تلبّس الشر لأنه لم يُحتوَ، لأنه حين حاول أن يكون نقيًّا، قوبل بالسخرية، وحين أراد أن يُحسن، جُرِحَ بأفواه لاذعة… فتمرّد، وصار مؤذيًا، لا لأنه شرير، بل لأنه منهك.
رَجِّع قلبك، لا لأنك ملاك، بل لأنك لم تزل إنسانًا. ولا تقل “لن أُغيّر الكون”، لأنك – في الحقيقة – تستطيع. لا تبدأ بالعالم، بل بكلمة، بسلوك، بابتسامة، بفكرة واحدة… فأنت لا تدري كم من القلوب تستقي من نبعك. قد يقلّدك طفل، يتبعك شاب، يتأثر بك غريب، فتخلق موجة من الطيب… ويصبح الخير – لا التمرّد – هو المألوف، هو “الموضة”.
نعم، قد مررنا بلحظات خذلان، شعرتُ فيها – كما شعرتَ أنت – أن قلبي توقف عن الإحساس، أن النبض بات تكرارًا بيولوجيًا لا يحمل دفئًا. لكنني أدركت أن القلب لا يموت ما دام ينبض، بل هو يخبو فقط، ينتظر من يوقظه… بكلمة، بموقف، أو بدمعة تسقط على حين غفلة.
رَجِّع قلبك… دع قلبك يسكنك من جديد، لا كعضلة، بل كهوية. عش بفطرة طيبة، واذكر أن الإنسان يُخلَّد بسيرته، لا بعمره، فدع ذكرى طيبة تظلّ خلفك، تشهد لك لا عليك.
مبادرتي دعوة للبداية من جديد، دعوة أن نغتسل من خشونة الأيام بماء الإيمان، أن نتعطر بحلاوة الروح، أن نؤمن أن فينا بقية طهر، وبقايا ضوء… تحتاج فقط أن تُستدعى.