مقالات

رؤية أمريكا (ترامب) الجديدة: قراءة في وثيقة الأمن القومي لعام 2025 وموقع العراق والشرق الأوسط

الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي

تابعت قبل ايام برنامج يقدمه الاعلامي أسامة جاويش والذي قدم تصورا عن الرؤية الجديده الترامبية لأمريكا في المرحلة القادمة نعم صدرت وثيقة الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 يوم الجمعة الماضية الخامس من هذا الشهر لترسم خريطة طريق واضحة للمصالح والرؤية الأمريكية للعالم. الوثيقة التي جاءت في 33 صفحة ركزت على الأولويات الاستراتيجية لواشنطن مع التأكيد على أنها لن تسمح لأي طرف بالتدخل في مصالح النصف الغربي من الكرة الأرضية. تعد هذه الوثيقة وبهذا الوقت تحديدا بمثابة رؤية للكيفية التي تنظر من خلالها الولايات المتحدة للتحديات والفرص العالمية بعيون أمريكية مصلحية اقتصادية !!

اولا :الشرق الأوسط حيث يتم التركيز على المصالح وليس (الديمقراطية) وخصصت الوثيقة للشرق الأوسط صفحتين فقط ؟؟!! من أصل 33. هذا التراجع المثير للتساؤلات لا يعني تهميش المنطقة فقط بل ربما يشير إلى أن مصالح أمريكا فيها قد أصبحت “مؤمنة” !! بشكل استراتيجي بعد جملة من الإجراءات أبرزها الاعتقاد بتحجيم إيران بعد عملية مطرقة الليل الإسرائيلية والسيطرة على المضائق الدولية الحيوية مثل باب المندب وهرمز وقناة السويس بالإضافة إلى تأمين ممرات النفط والشركات العاملة في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا في الخليج العربي حيث تتلخص وتتحدد مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفق هذه الوثيقة بالمحاور التالية:
١-الطاقة والتكنولوجيا حيث تم الحصول على صفقات كبرى في هذين المجالين.
٢-التطبيع الإقليمي بعد انضمام أكبر عدد ممكن من الدول إلى الاتفاقيات الإبراهيمية.
٣- ردع إيران حيث تعتقد ادارة ترامب انها نجحت ! بمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية وتقويض قدرات وكلائها التي تهدد إسرائيل.
٤-تأمين الممرات عبر منع تهديد مصادر وممرات الطاقة البحرية والبرية ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
ثانيا:المصالح الأمريكية اولا واخيرا
كذلك تضمنت الوثيقة توضيح نقطة التحول الجوهرية في السياسة الخارجية الأمريكية والتي تتلخص بان الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بترسيخ الديمقراطية في العالم. هذا يعني أنها لم تعد تهتم بـ “إسقاط أنظمة أو تصحيح مسار أنظمة أخرى كما في جريمة احتلالها العراق “أو حتى بالتغيرات الاجتماعية الداخلية طالما أن مصالحها مؤمنة.
ثالثا: موقع العراق
نؤكد ان موقع العراق من يكن من ضمن الاهتمامات الجديدة فالمثير للانتباه هو أن العراق لم يرد ذكره في الوثيقة ولا لمرة واحدة. إلا أن هذا التجاهل ليس نتاج إهمال بل هو انعكاس للرؤية الجديدة القائمة على مبدأ: “ابقوا في الحكم إذا ضمنتم مصالحنا” وهذا ماكنا قلناه ونستمر بقوله ؟!
ان الرسالة الموجهة للطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة في العراق واضحة حيث يمكن لهذه الطبقة أن تبقى في الحكم طالما ضمنت مصالح الولايات المتحدة تماشياً مع المبدأ الوارد في الوثيقة بأن واشنطن “ليس في نيتها التدخل لتعزيز الديمقراطية أو لتصحيح أوضاع اجتماعية معينة”.
وهنا تظهر الفرصة الذهبية أمام القوى السياسية العراقية التي فرضتها سلطات الاحتلال بالتوافق مع حكام طهران لترسيخ وجودها عبر إقناع الولايات المتحدة بأنها ستعمل وفق هذه الرؤية لذلك نعتقد ان الثلل الحاكمة ستعيد انتاج مواقفها بما يبعث رسالة تطمئن إلى ادارة ترامب بانهم سيعيدون انتاج انفسهم ويكيلون مواقفهم بما لايحرج ترامب او مبعوثه سافايا بتشكيل الحكومة القادمة ولكن بأسلوب (التقيه) إلى حين !!؟؟
رابعا:آليات الضغط البديلة
إذا لم تسلك القوى السياسية هذا المسار فإن الرد الأمريكي لن يكون بالضرورة ضربة عسكرية. بدلاً من ذلك ستعتمد واشنطن على الأوراق الاقتصادية بالغة الحساسية مثل :
١-استخدام الأرصدة العراقية في البنك الفيدرالي الأمريكي.
٢-إضافة شخصيات إلى لائحة حظر الخزانة الأمريكية.
٣-تقييد عمليات تصدير النفط ونقل العملة وتقييد البنك المركزي العراقي والبنوك المحلية.
في المقابل بدأنا نلاحظ أن سلوك القوى السياسية العراقية كما اشرنا خاصة تلك التي تمتلك أجنحة مسلحة يتجه نحو البرغماتية والمنفعية الواضحة مع هذه الاشتراطات. هذه التراجعات المصلحية قد تمهد لصفقة حُكم جديدة تضمن بقاءها بالسلطة مع الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة حتى لو لم يتم تطبيق شروط الوثيقة بنسبة 100%.
خامسا:موقف الكيان (إسرائيل)
يبدو ان موقف إسرائيل سيكون مختلف وصريح فهي غير متفقة مع هذا التوجه الأمريكي. الوثيقة تعبر عن رؤية الولايات المتحدة لطريقة “الابتعاث” وليس عن رؤية إسرائيل. فالكيان كما هو واضح انتقل من مرحلة التعايش إلى الحسم العسكري المباشر. لذلك !!! إذا قررت إسرائيل إعادة تفعيل هجماتها على حزب الله وإيران وكل من تراه يهددها فليس بالضرورة أن تسير الأمور بهدوء كما ترغب الولايات المتحدة وهو ما يضيف تعقيداً على المرحلة القادمة وهذا امر متوقع .
أهم نقاط الاختلاف بين الرؤية الأمريكية الجديدة وموقف الكيان (إسرائيل) تجاه المنطقة؟ (كما وردت في وثيقة الأمن القومي 2025) وموقف الكيان (إسرائيل) وتحديدا تجاه المنطقة
فالهدف العام مثلا لاحظنا تفضيل تأمين المصالح الأمريكية (الطاقة والاتفاقيات الإبراهيمية وردع إيران) دون تدخل مباشر لتغيير الأنظمة. اما الهدف العام لاسرائيل فهو الانتقال إلى مرحلة الحسم العسكري المباشر. اما آلية التعامل مع القوى السياسية الموالية لإيران فامريكا تفضيل استخدام الضغوط الاقتصادية (مثل تجميد الأموال في البنك الفيدرالي ولوائح الحظر على الشخصيات) لضمان المصالح. اما آلية التعامل مع القوى المعادية لاسرائيل فيتلخص بتفضيل إعادة تفعيل الهجمات على حزب الله وإيران وكل الدول التي تعتقد إسرائيل أنها تهددها.
وفي المسار المفضل للمنطقة فالتوجه الأمريكي يذهب نحو تسير الأمور بهدوء بعد تأمين المصالح والسيطرة على المضائق ومحاصرة إيران. اما المسار المفضل للمنطقة من وجهة نظر إسرائيل فليس بالضرورة أن تسير الأمور بهدوء نظراً لعدم اتفاق الكيان مع التوجه الأمريكي بتفاصيل وقضايا عديدة !!
بخصوص المرجعية فرؤية الولايات المتحدة لطريقة “الابتعاث” يتلخص بالتخلي عن التدخل المباشر لأجل التغيير الداخلي!
اما المرجعية بالنسبة للكيان فواضح انه غير متفق مع هذا التوجه.
لذلك نعتقد ان الولايات المتحدة تسعى إلى الاستقرار المضمون المصالح عبر أدوات الردع الاقتصادي والسياسي بينما يميل الكيان الاسرائيلي إلى الاستمرار برؤيته ان الحسم العسكري المباشر هو الوسيلة الانجع والتحرك الاستباقي ضد التهديدات.

اظهر المزيد

كمال فليج

إعلامي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى