الإحساس بالآخرين قمة السعادة

✍ صالح الريمي :

يشكل الإحساس بالآخرين ذروة الصدق في المشاعر النبيلة الداعمة لكل عمل خير، ويعد حافزًا خلاقًا لبذل العطاء على نحو يجسد علو الهمة بنيل رضا الله عزوجل وكسب الحسنات لتثقل الميزان، ويعتبر الإحساس الإنساني النبيل المفعم بالرحمة مثار اعتزاز وفخر كلما جادت النفس وترجم السلوك هذا التعاطي الخلاق إلى واقع تفاعلي متميز يسهم في التخفيف من معاناة الآخرين..
ورمضان فرصة لكل من أبتلي بالبخل والشح والتقطيب للمال ليكون كريمًا وصاحب أيادي بيضاء في مساعدة المحتاجين وتحرير النفس والخلاص من صفة البخل وكنز الأموال.

كل يوم تصلني عشرات الرسائل من متابعي الكرام من أهلنا في اليمن السعيد عن سوء الأوضاع المادية وتدهور الأحوال الاقتصادية للناس، وماذا عساي أن أفعل إلا الدعاء بأن يمن عليهم بالأمن والاستقرار والرخاء، وأن تاتي حكومة تخاف الله في هذا البلد الجميل..
بالأمس وصلتني رسالة من مواطن يمني يقول أبشرك قد تركت القات نهائيًا بعد موقفين مرت بي، سأنقل لكم فحوى رسالته مع بعض البهارات من كاتبكم البسيط.

يقول الراوي: خرجت من البيت وفي طريقي إلى سوق القات وبالقرب من سوق القات صادفت امرأة من البشرة السمراء جالسة على الرصيف وبيدها طفل رضيع، وأشرت لي بيدها قائلةً: “احنا جوعانين”، لفتُ لها وطنشتها وقلت في نفسي: “يا الله من هؤلاء الشحاذين الذيي كثروا في الشوارع” وواصلت مسيري إلى عند صاحب القات..
وبينما كان يعرض لي بضاعته؛ تفاجئت بشيء يلمس ظهري مناديًا لي: “يا إبني” التفت له وإذا به رجل عجوز واقفًا على عكازه وقدمه اليمنى منتفخه وفيها مسامير واسياخ، قلت له: يا حاج الله يعطيك، وصاحب القات قال له: يا حاج أذهب من هنا، كل قليل جاي تطلب من الناس، وبينما أنا آخذ القات بسعر ستة الآف ريال يمني قمت بإدخال يدي في جيبي وأخرجت المبلغ والرجل العجوز ينظر إلي ولمس ظهري مرة آخرى قائلًا لي: يا إبني محتاج حق علاج، يا إبني نفسي يوم واحد أنام وأنا مرتاح من وجع رجلي.

أنا لم أعره ٲي إهتمام واعطيت المقوت الفلوس ومشيت مسافة قليلة والرجل العجوز يقول لي بصوت حزين: يا إبني لا تجيب لي فلوس إذا ما تصدقني اشتري لي العلاج بنفسك، وأنا لم اهتم لكلامه، ومشيت في طريقي نحو البيت..
وفي أحد الازقة الممتلئة بالقمامة، بالصدفة التفت نحو برميل القمامة فرأيت تلك المرأة السمراء وطفلها جالستان في وسط برميل القمامة تاكلان ما تبقى من غداء أهل الحي، وقفت متحجرًا ومنذهلًا من المشهد وجسمي مقشعر، وسقط كيس القات من يدي فدعسته مباشرة برجلي حتى أُتلفه تمامًا، وتذكرت كيف كان موقفي مع هذه المرأه وذلك الرجل العجوز.

وادركت أنني أحقر البشر على وجه هذه الأرض، وذلك صاحب القات بكلامه الذي وجهه للرجل العجوز ومن أمثالنا، وقررت اتغير وقتها وقمت بمساعدة المرأه لكي أكون من أفضل البشر..
وفي ليل نفس اليوم أردت أن انام ولم أستطع من موقفي للمرأه وطفلها وهم يأكلون من القمامة، وتذكرت كلام ذلك الرجل العجوز الذي طلب مني المساعدة، وقال لي يا إبني: “اتمنى أن أنام يومًا واحدًا من دون وجع رجلي”، وذهبت لمساعدته في اليوم التالي وباتجاهي لسوق القات رأيت الناس مجتمعين على الرصيف ودخلت من بينهم لكي أشاهد ماذا يحصل ورأيت الرجل العجوز مطروح على الارض ميت.

انصدمت ومسكت الرجل محاولًا عدة مرات أن يقوم وأساعده واشتري له العلاج واطلب منه السماح ولكن دون جدوى وبكيت بأقوى صوت ودموعي غزيرة وقمت بالصياح بأعلى صوتي ياااااااااااااارب سامحني يارب، رحل الرجل إلى ربه ونام قرير العين مرتاح البال من ظلمنا وكبرياءنا، وأخيرًا تركت تعاطي القات من يومها، وكل مبلغ كنت اشتريه به القات أصبحت اتصدق به على المحتاجين.. انتهت القصة ولم ينتهِ الكلام..
جاء رمضان ليقول لنا تفقدوا جيرانكم المحتاجين، وأصدقاءكم المعسرين، وأقاربكم المساكين، قد يكون البعض منهم عفيفًا لا يمد يده للغير، وبعضهم قد تجد مريضًا ولا يستطيع دفع تكاليف الأدوية لعلاجه أو مستأجرًا أثقل كاهله الإيجار أو عائلة توقف راتب عائلها بسبب إيقاف خدماته، أو عاطلًا عن العمل تراكمت همومه لإيجاد وظيفه تعينه على مكافحة ظروف المعيشة.

*ترويقة:*
حتى تكون ثقافة العطاء فينا سائدة! يجب أن نكون كما قيل على لسان أحد الحكماء:
«من يفكر على مائدة الحياة أن يشبع نفسه فقط، فسيبقى جائعًا، ومن يفكر أن يشبع أخاه فسيشبع الاثنان معًا»..
لذلك اجعلوا العطاء أسلوب حياة، واجعلوا أيامكم عطاء دون انتظار رد العطاء.

*ومضة:*
قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى).

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى