تـرك مـعـاداة الـنـاس
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
العاقل البصير لا يشتري العداوات ولا يتقرب إليها، بل ولا يكافئ من أساء إليه برد الإساءة بمثلها، ولا يترك للشيطان على نفسه سبيلا فيتخذ اللعن مركبا، والشتم سلاحا ينازل من تجاوز الحدود، وقابل الإحسان بالسوء والصدود، فلا يكون التصدي للمعادي بمثل إصلاح العيوب، وستر العورات، وتحصين المكارم أن تثلم، فتنتفي المعاداة، فلا يجد صاحب المرض جرحا يلقي فيه جراثيمه.
قال الأفوه الأودي:
بلوت الناس قرنا بعد قرن
. فلم أر غير ختال وقالي
ومرت مرارة الأشياء جمعا
. فما طعم أمر من السؤال
ولم أر في الخطوب أشد هولا
. وأصعب من معاداة الرجال
والمعاداة بعد حسن العشرة والصحبة الطويلة شنيعة، ولا يليق بالعاقل السير في ركابها، فإن حدى به الزمان إلى ركوبها فلا يمد في التوغل فيها.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه لرجل أسمعه كلاما: يا هذا؛ لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله عز وجل فيه.
قال أبو الأسود الدؤلي:
وأحب إذا أحببت حبا مقاربا
. فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت غير مباين
. فإنك لا تدري متى أنت راجع
وكن معدنا للخير واصفح عن الأذى
. فإنك راء ما عملت وسامع
وأنشد منصور بن محمد الكريزي:
إذا أنت عاديت امرأ بعد خلة
. فدع في غد للعود والصلح موضعا
فإنك إن نابذت من زل زلة
. ظللت وحيدا لم تجد لك مفزعا
قال عبدالله بن حسن لابنه: إياك ومعاداة الرجال، فإنها لا تعدمك مكر حليم، أو مباذاة جاهل.
وقال إسماعيل: لا تشتر عداوة رجل بمودة ألف رجل.
وقال ابن الرومي:
تكثّر من الإخوان ما استطعت إنهمُ
. عماد إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثير ألف خل لصاحب
. وإن عدوا واحدا لكثير
والتغافل عن بعض الأمور يقلل من الصدام، ويحافظ على المودة والوئام، ويُبعد البغضاء والشحناء والجدال، ويكثر من الأصدقاء ويقلل الأعداء.
وتتبع صغائر الأمور التي بالإمكان التغاضي عنها ونسيانها يجعل المرء في هم دائم، ففي إغضائك راحة لأعضائك.