*إلى الذين هجروا الجنة*
✒️ صَالِح الرِّيمِي :-
جاء رجل في العصر العباسي إلى بيت امرأة، وطرق بابها وطالبها برد الدين الذي عليها فأبدت المرأة قلة ذات اليد، فغضب عليها الدائن، وضربها وانصرف، وجاء إليها مرة أخرى ففتح له الباب أبنها وسأله عن أمه، وقال له: إنها خرجت إلى السوق، وظن الرجل أن الابن يكذب عليه فضربه على كتفه ضربًا غير مبرح..
وإذا بأمه تأتي في هذه اللحظة، وقد رأت الرجل يضرب أبنها فبكت بكاءً شديدًا، فقال لها الرجل فيما يشبه الاعتذار: لقد ضربته ضربًا خفيفًا، فلماذا تبكين وقد ضربتك بالأمس ضربًا مبرحًا ولم تبكِ، فأجابت الأم أو أجاب قلبها نقول: (بالأمس ضربت جلدي، واليوم ضربت كبدي)، فتأثر الرجل الدائن، وعفى عنها، وأقسم ألا يطالبها بالدين الذي عليها بعد اليوم.
الأم هي الإنسان الوحيد الذي يهبك حنان الوجود عندما تحيط بك قسوة الحياة، وهي مصدر الحنان والرعاية والعطاء بلا حدود، وهي النقاء والعطاء والصفاء بكل صوره ومعانيه، وهي الجندي المجهول الذي يسهر الليالي ليرعي ضعفك ويمرض علتك، وهي الإيثار والعطاء والحُب الحقيقي الذي يمنحك بلا مقابل ويعطـيك بلا حدود أو منٌة..
وهي المرشد إلى طريق الإيمان والهدوء النفسي، وهي المصدر الذي يحتويك ليزرع فيك بذور الأمن والطمأنينة، وهي البلسم الشافي لجروحك والمخفف لآلامك، وهي اشراقة النور في حياتك، وهي نبع الحنان المتدفق لك.
بل الأم هي الحنان ذاته يتجسد في صورة إنسان، وهي شمس الحياة التي تضيء ظلام أيامنك وتدفئ برودة مشاعرك، وهي الرحمة المهداة من الله تعالى، والمعرفة التي تعرفك أن السعادة الحقيقية في حبها لك، وهي صمام الأمان لحياتك، وهي التي تحرِّضك على فعل كل شيء جميل ليس من أجلها، بل من أجلك أنت وحدك، لذا أقول أحبك يا أمي..
أمي يا أجمل كلمة وأحلى نشيد وأروع نغمة، فلا القلب ولا اللسان ولا كل إحسان الدنيا يعادل زفرة من زفرات ولادتي، ولا ساعة سهر أو قطرة دمع من جفونك لأجلي يا أمي.
فليحتفلوا بعيد الأم ما شاء لهم أن يحتفلوا، ويلقون ما شاءوا من كلمات، ويبنون ما قدروا من بيوتًا للشعر، ويشترون ما شاءوا من ورود وأزهار، ويهدونها في زيارات عابرة لأمهاتهم، أو يرسلوها عن بعد وقد ضاقت بهم أوقاتهم عن رؤية أمهاتهم، ومهما فعلوا في يوم واحد من أيام الدنيا، صادقين كانوا أو غير صادقين، فلن يبلغوا عُشر معشار ما يبلغه الصادق في برّه لأمه..
فنحن كمسلمين لا نحتاج أن نكون عظماء لنقدم كلمة جميلة أو هدية أجمل أو عبارة لطيفة لنبع الحنان، فبرضاها ترضي الرحمن، والجنة تحت قدميها، وربما دعوة صالحة منها تكفي لتعيش طلية حياتك سعيدًا، فهل يكفي لأمك أن نحتفل بها في يوم واحدً فقط؟
*ترويقة:*
رسالة إلى كل من بقيت له أم، يراها أمام عينية، فليحمد لله ويقبل الأيادي عرفانًا وامتنانًا، أما الذين هجروا الجنة التي تحت أقدام الأمهات فسارعوا استجداء مرضاتهن، فلا أعلم كخير مثل بر الوالدين وأولهم الأمِ..
وليحفظ الله كل أم على قيد الحياة، وليملأ قلوب أبنائها وبناتها حنانًا عليها، وليرحم الله كل أم انتقلت إلى جوار ربها، وليلطف الله بها كما لطفت وفاض قلبها حنانًا على أبنائها، وليجبر كسر كل مكلوم، كبيرًا كان أم صغيرًا برحيل نبع حنانه، وليعوضه الله عن دعواتها الصادقات التي ترفعها من ضفاف قلبها إلى عنان السماء.
*ومضة:*
قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)..
وكان هناك صحابي جليل يريد الغزو، فقال له عليه الصلاة والسلام: (هل لك أم؟ قال: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: فالزمْها فإنّ الجنة تحت رجليها).
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*