من الذاكرة: حوار مع اللواء الطيار زياد البدا طيار الرئيس ياسر عرفات
حوار: لطيفة محمد حسيب القاضي
اللواء الكابتن زياد علي عزيز البدا وطني من الدرجة الأولى، فلسطين بالنسبة له هي الحب الوحيد الخالي من الشوائب. حب مزروع في القلب. استطاع بنفسه أن يشق طريقه، فهو أول طيار فلسطيني يحلق فوق مطار غزة الدولي. لقد واجه الكثير من الصعوبات حتى تمكن من الهبوط على مطار غزة الدولي.
الكابتن عزيز من مواليد ١٥ /١١/١٩٥٦ في قرية “طلوزة ” نابلس. أستكمل دراسته الثانوية في نابلس والتحق بحركة فتح في بيروت، وتم اختياره هو وأربعة آخرين لدراسة دورة (طيران مقاتل) في باكستان، فتخرج كطيار مقاتل عام ١٩٧٩. وتمت إفادته للعمل في سلاح الجو الليبي، من ثم إلى نيكاراجوا، وبعدها إلى يوغسلافيا، وإلى سلاح الجو اليمني. وأديس أبابا، ثم جزر السيشل، وثم إلى غينيا بيساو، ودكار، ومصر، وهولندا، وأمريكا، والجزائر.
يحدثني الكابتن زياد في حوار عن طموحاته فسألته: هل تمنيت أن تكون طياراً؟ فكانت الإجابة: في حرب1967 كان عمري إحدى عشر عامًا، وكان الطيران الإسرائيلي يقصف الجيش الأردني والعراقي في الزبابدة وجنين، والطائرات تطير من فوق بيتنا، ومن هنا تمنيت أن أكون طياراً مقاتلاً لمحاربة الإسرائيليين، وبالفعل تحققت أمنيتي وحصل ماكنت اتمناه.
وعند سؤالي عمن الذي سانده في تحقيق ما يصبو إليه؟ فكان رده قائلاً: طبعا منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح وخصوصًا الأخ ياسر عرفات (أبو عمار) والأخ أبو جهاد.
الكابتن زياد البدا هو قائد طائرة الرئيس الرمز الخالد ياسر عرفات، وكان قائداً للطائرة التي كان لها أول هبوط في مطار غزة الدولي.. فقلت له: كيف كانت أحداث أول هبوط لك بالطائرة في مطار غزة الدولي؟ فقال لي: لقد طلب الأخ الرئيس أبو عمار مني، ومن زميلي الكابتن عمر بدران بأن نأخذ دورة طيران لكي نتسلم قيادة طائرته التي أهداها له الرئيس صدام حسين … وبالفعل غادرنا إلى أمريكا ودرسنا الدورة وتسلمنا قيادة الطائرة.
وبعد اتفاقية أوسلو، وعودة الرئيس إلى قطاع غزة لقد كان مركزنا في القاهرة، وعند سفر الرئيس ياسر عرفات كنا نذهب إلى مدينة العريش، ثم ننطلق بالرئيس من هذه المدينة إلى العالم، وفي يوم ٣ حزيران عام١٩٩٦ الساعة السابعة صباحًا دق جرس الهاتف ورفعت السماعة، وإذ كان هو الأخ أبو عمار يقول لي: بتعمل ايه ؟
قلت له: نائم
فقال: نائم ايه تعال لي على غزه الساعة عشرة بتكون عندي
قلت له: كيف سوف أوصل غزه على القليل بدي ثماني ساعات
رد بعصبية قائلاً: تعال بطيارتك..
فقلت له: وين
قال: على مطار غزه…
قلت له: وين المطار؟ هذا شارع!
رد عليَّ قائلاً: كلم السفير.. وسكر الهاتف
وبعد ثواني وإذ بالسفير (زهدي القدرة) يكلمني ويقول لي: كل شيء جاهز أنتما أذهبا إلى مطار القاهرة ومن هناك انطلق إلى مطار غزه
قلت له: عم تمزح!
فرد قائلاً: أبو عمار كلمك؟
قلت له: اه
فقال: نفذ
فقلت له: ليش هو في مطار بغزة ؟هذا شارع! وكيف الإخوان المصريين سوف يسمحوا لي
قال لي: لا تهتم كل شيء مرتب
ذهبنا إلى مطار القاهرة وعملنا خطة الطيران وصار الموظف يضحك قائلاً: ما في عندي على الخرائط أشي اسمه مطار غزه الخطة مرفوضة
قلت له: اتصل ..عمل اتصالاته
فقال: على بركة الله.
طلبنا التشغيل والاتجاه الى مطار غزه لأنه سُمح لنا بذلك.
وقال لنا: الله أكبر الله معكم
وتم الطيران فوق مطار العريش
وقالوا: الله أكبر تهبطوا بسلام في مطار غزه
أخذت القيادة من زميلي الكابتن عمر وبدأت بالنزول على ارتفاع مئة متر لعلني أعثر على ما يسمى بالمطار؛ لأنه لا يوجد أجهزة، ولا أي شيء من مقومات المطارات غير المدرج، وشارع طويل.. وصلت إلى ارتفاع عشرة أمتار وشاهدت الشارع ونزلت على ارتفاع ثلاثة أمتار، وشاهدتُ الناس تلوح وترقص ثم عملت مروراً أخر، وكررت المرور حتى أتأكد من سلامة المدرج، وكنتُ أنادي على اللاسلكي لعلني اسمع شيئاً! وإذا بصوت يبكي.. ويقول: الله أكبر أهبط أنت فوق مطار غزة العزة.
هنا انهارت الدموع من عيني، ومن عيون الزميلين الكابتن عمر والمهندس كميل، وتبادر إلى ذهني أن أرفع علم فلسطين، وكان لدينا أعلام صغيره توضع على سيارة الرئيس! فطلبت أحد المهندسين وقلت له أن ينزع علاقة بدلة الرئيس ياسر عرفات، واخذتها وعلقت العلم عليها ورفعته في سماء فلسطين سماء غزه العزة، وصلنا إلى مكان تواجد الرئيس، وتم فتح باب الطائرة وخرجت ملوحًا بالعلم، وحملته على الأكتاف متجهًا إلى الرئيس الرمز ياسر عرفات رحمه الله، وكان يبكي وحضنني وقال لي: “مش قولتلك حتهبط في مطار غزه وسترفع العلم”.
ومن هنا جاء اللواء الكابتن عزيز يحدثني عن: من هو صاحب فكرة إنشاء مطار في فلسطين؟ فجاء قائلاً: بالتأكيد الرئيس الرمز الشهيد أبو عمار هو من فكر، وأصر على عمل المطار، وهو من أعطى التعليمات وأشرف وتابع مع الكل.
وبعد ذلك يبقي التساؤل : كيف تحقق حلمك؟ فقال لي: الرئيس ياسر عرفات من طلب مني الهبوط في المطار وتحقق حلمي بذلك.
وعلى هذا الأساس لقد قلت له في سؤالي: على أي اعتبار تم اختيار غزة ليكون فيها المطار الدولي.. ولماذا لم يتم اختيار القدس أو رام الله؟ فكان قوله لي : تم اختيار غزة لتواجد الرئيس والقيادة هناك، واتفاقية أوسلو غزة واريحا أولًا.
وعلى هذا المنوال قلت له: ما هي إمكانيات مطار غزة الدولي في تلك اللحظة؟ قال الكابتن : مما لا شك فيه في يوم هبوطي كانت الإمكانيات صفر فقط وجود شارع اعتبروه مدرج.
ومن هنا كان شغفي لمعرفة: كيف تلقى الرئيس ياسر عرفات، والشعب الفلسطيني خبر هبوط أول طائرة وأنت قائدها؟ لم يتردد قائلاً: وتفسيراً لذلك كانت الناس فرحةً ترقص وتدبك وتغني.
وعلاوة على ذلك أردت معرفة آليات السفر من مطار فلسطين إلى الخارج حول أنحاء العالم والعكس؟ فقال الكابتن: وبطبيعة الحال في البداية كان في صعوبات من قبل الطرف الثاني حيث كانوا يطلبوا من المسافرين الذهاب إلى معبر رفح من أجل عمل إجراءات السفر للذهاب والعودة، وتفتيش العفش.. ثم أصبح بعد ذلك عمل كافة الإجراءت من المطار نفسه، وكانت الناس مبسوطة جداً.. كانت الرحلات متنوعة من عمرة وحج وسفر إلى كل أنحاء العالم.
استنادا إلى ما سبق سألته: كيف كانت أجواء افتتاح مطار غزة الدولي؟ قام الكابتن عزيز قائلاً : لتوضيح ذلك تم افتتاح مطار غزة الرسمي من قبل الرئيس الرمز ياسر عرفات، والرئيس الأمريكي كلينتون، وثم في شهر نوفمبر عام 1996 تم الافتتاح الرسمي للمطار وهبط في ذلك اليوم الطيران المصري والمغربي والأردني والإسباني، وكانت آخر طائرة تهبط هي الطائرة الفلسطينية طائرة الرئيس ياسر عرفات أبو عمار، ولقد عملتُ حركات بهلوانية فوق المطار، وتم الهبوط بسلام في مطار غزة.. شعور لا يوصف مزيج من الفرح والحزن والنشوة بتحقيق الحلم الذي تدربنا من أجله سنوات ٍعديدةٍ.
وحينها سألته عن رد فعل افتتاح مطار غزة الدولي على الرؤساء والدول عامة؟ فقال: ومن هذا المنطلق بعد الهبوط في مطار غزة العزة سافر الرئيس إلى لندن لمقابلة (اولبرابت) .. ولقد أقمنا في الفندق، وبالتأكيد كان يوماً شاقاً وصعباً كله من غير أية تحضير أو استعداد.. ونمت من التعب وفي الصباح أردت أن أفطر فنزلت إلى المطعم وكانت الناس تنظر إليّ باستغراب ففكرت أني لابس ملابسي بالغلط أو أنه يوجد شيء غلط ذهبت إلى الاستقبال وسألته: عن سبب نظرة الناس إليّ فناولني الصحف العربية والإنجليزية وكانت صوري على الصفحة الأولى ومن ثم استوعبت نظرات الناس وبادلتهم التحية.. ثم غادر الرئيس إلى العقبة واجتمعت مع الملك حسين رحمه الله والرئيس حسني مبارك وعند نهاية الاجتماع حضر الملك حسين والرئيس حسني مبارك والوفد إلى طائرة الرئيس أبو عمار، وكنت واقفًا لاستقبالهم فبادر الملك حسين رحمه الله بالسلام عليّ وقال لي مبروك افتتاح مطار غزة أنت أفرحت الكثير وأبكيت الكثير ممن شاهدوك وأنا واحد منهم وإلى الامام) …. ثم سلم الرئيس حسني مبارك رحمه الله عليّ وقال لي ممازحا: (سوف اسجنك كيف توافق وتهبط في مطار غير مؤهل! أنا والملك حسين طياران ونعرف مدى الخطورة التي قمت بها ولكنكم شعب الجبارين ربنا ينصركم وما ترد مرة ثانية على أبو عمار).
ولابد من الإشارة إلى أن الرئيس الرمز ياسر عرفات كان فرحًا، ويبكي وضمني وقال لي: “إنه يومك وسيسجل في التاريخ ولقد خطفت الصحافيين مني”. الكابتن اللواء عزيز: ما هي أصعب الرحلات التي قمت بها؟ أصعب الرحلات جده الصين وهذه يطول شرحها والرحلة الثانية عندما ضربت أرنب في أثناء الهبوط في فينا والأخطر عندما دخلت حمامة في المحرك أثناء الإقلاع من مطار ماركا إلى غزة وتعطل المحرك واستمريت في الطيران إلى غزه والرئيس واقف خلفي وشاهد عملية الهبوط الاضطراري وبعد الخروج من الطائرة شدني في شعري وضمني وقبلني.
وفي نفس الصدد سألته: ماذا يمثل لك القائد الخالد الرمز ياسر عرفات؟ رد قائلاً: الرئيس الرمز يأسر عرفات هو المؤسس والقائد والأب والإنسان والمناضل والحنون على الأسرى والشهداء والجرحى وعائلاتهم والشجاع والمعلم رحمه الله.
هل يتم مشاهدة التلفاز وأنتم في الطبقات العليا؟ الكابتن يقول: نعم بالتأكيد أرى أفلام يتم عرضها على الشاشات المثبتة في الكراسي.
ومن هنا.. ما هي التجهيزات التي تقوم بها قبل الرحلة؟ يقول الكابتن عزيز: عادةً نذهب إلى المطار قبل ساعتين أو ثلاث لتفقد الطائرة وعمل خطة الطيران وطلب الطعام من الشركات المعتمدة وتعبئة الوقود.
وعليه قلت للواء القائد الكابتن عزيز: صف لنا شعورك عند تدمير المطار بعد 3 سنوات من إنشاءه؟ قال لي أنه من البديهي بأن يكون ذلك اليومُ أسودَ وصعبًا وشاقًا ودمر كل الفرح والأمل الذي بنيناه وشعرت بغضب شديد وفقدان عزيز علي ولكن الأمل بالله وثم بشعبنا شعب الياسر شعب الجبارين وفلسطين ولادة سنعيد بناء المطار ومطارات أخرى.
وأخيراً يختم الحوار بقوله :(عشتم وعاشت فلسطين وعاشت القدس عاصمة دولتنا الحبيبة وعاشت الفتح ورجالها الشرفاء).