د. أسامة العبد: اللغة العربية عززت الانتماء الوطني والاتصال بالشعوب عبر التاريخ
كتبت – حسناء رفعت
ألقى معالي أ.د. أسامة العبد الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامة كلمة افتتاحية لمؤتمر: (اللغة الأم والانتماء الوطنى) كلية الدارسات الإسلامية 14/٣/2023م، أكد خلالها ريادة اللغة الأم.
وجاءت كلمته كتالي.
الحمد لله رب العالمين الذى أنزل على نبينا القرآن الكريم بلسان عربي مبين ليكون هديا إلهيا إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد،، المنصة الكريمة …
فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني –وكيل الأزهر الشريف-، نائبا عن فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب –شيخ الجامع الأزهر-.
معالي الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة –وزير الأوقاف-.
معالي الأستاذ الدكتور سلامة داوود –رئيس جامعة الأزهر-.
السادة الأفاضل نواب رئيس جامعة الأزهر.
سعادة الأستاذ الدكتور/ رمضان محمد حسان –عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية-.
سعادة الأستاذ الدكتور/ إبراهيم الهدهد –مقرر لجنة النهوض باللغة العربية برابطة الجامعات الإسلامية-.
أيها الحضور الكريم كل باسمه وصفته وقيمته ومقامه، أحييكم جميعا بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إن الأمم والشعوب الواعية تهتم بلغاتها الحية وتعتنى بها عناية فائقة، وتتعهدها بالرعاية والتطوير عن طريق تحديثها والنظر بإمعان في تفاصيل دقائقها ودراسة معطياتها ودلالاتها بما يكفل صونها.
واللغةُ العربيةُ هي وعاءُ الفكر والعلم والثقافة والحضارة والتاريخ والمستقبل، والنهوضُ بها والحفاظ عليها حفاظٌ على التاريخ والهوية والمستقبل.
ولعل هذا المؤتمر الميمون الذى يُعقد بكلية عتيدة في جامعة عريقة هي معقل العلم والعلماء والثقافة والبيان والتبيان هو مناسبة فريدة لنا، لنحتفى “بلغتنا الأم” أعظم اللغات ثروة وأكثرها أصواتًا وأغناها فى المقاطع والحروف والتعبيرات.
والتي اختلطت فى زمن الفتوحات الإسلامية بلغات أخرى في بلاد فارس والهند وأفريقيا والأندلس، لكنها احتفظت دائما بفصاحتها وكيانها، ولم تكتف بذلك بل تسيَّدت على كل اللغات التي كانت سائدة في تلك الأمصار.
وظلت لغة حية طوال العهود التاريخية، حيث أنتجت تراثًا واسعًا ومخزونًا ثقافيًّا وحضاريًّا بديعًا، فتهافت عليها الغرب لمكوناتها الثقافية والحضارية ومخزونها اللغوى ودورها في صنع التاريخ والحضارة، وكم من كتب غربية قد تُرجمت عن العربية وكان لها تأثيرها الثقافي والعلمي على الحضارة الغربية في كل المجالات وعلى كافة المستويات العلمية والثقافية والاجتماعية والإنسانية بوجه عام.
اللغة هي الأم، والوطن الابن، وكل ابن بلا أم عَجِيّ وهذا بؤس شديد.
واللغة هي الطريق الأول لزرع بذرة الوطنية في نفوس المواطنين، وهي الحصن الذي تستطيع به الدولة أن تحفظ قيم الولاء والانتماء ومواجهة التيارات التي تزعزع مفهوم الوطنية.
إن الانتماء للوطن مقرون باللغة؛ لأن اللغة هي الوطن الروحي الذي نحمله معنا أينما يممنا وجهتنا، والوطنية واللغة وجهان لعملة واحدة، ينمي بعضه بعضا، فاللغة هي أداة المعرفة والفكر، وتحافظ على الهُوية في كافة المجالات، قال بعض الحكماء: (إن اللغة القومية وطن روحي يُؤوي من حُرِمَ وطنه على الأرض).
اللغة العربية امتلكت مجموعة من الحقول الصياغية المعبرة عن الهوية الثقافية للمجتمع العربي، أي أنها صيغ ثقافية بالدرجة الأولى لها طبيعتها التراكمية القادرة على ملاحقة الحاضر بكل قفزاته الحضارية والثقافية والعلمية.
إننا بخدمة اللغة العربية نخدم الدين، فالقرآن نزل بها، والحديث الشريف والعبادات تُؤَدى بها، وقد قامت حضارتنا وفي صلبها اللغة، فكانت العلوم اللغوية ثم كان غيرها، فقد جاءت العربية وجاء معها غيرها إما مصحوبا وإما لاحقا.
ينبغي على وزارة التعليم والثقافة والأزهر، غرس قيمة اللغة العربية عبر مناهجها واستخدام اللغة الفصحى بدلا من العاميِّة نطقا وكتابة، والتحذير من خطر نسيان الأبناء لغتهم الأصيلة، والتوجه إلى اللغات الأخرى التي لا تمثل وطنيتهم ولا ثقافتهم ولا دينهم ولا فكرهم، فإن في ذلك حماية لمعنى الوطنية في نفوسهم، فالانتماء للوطن يكسب الإنسان الرضا عن نفسه، كما يكسبه احترام الآخرين، ومن الواجب غرس حب الوطن في نفوس شبابنا، وتعزيز ذلك في نفس كل مواطن؛ ليتفاعل مع قضايا الوطن وحمايته من المنغصات كالإرهاب وغيره.
ينبغي أن نكون قلعة حصينة تتكسر عليها نصال كل من يحاول إضعاف لغة الضاد.
وإذا كان هذا المحفل الكبير يضم نخبة عظيمة من العلماء والمتخصصين الذين يُشار إليهم بالبنان، فإن ذلك يضع على عاتقنا جميعا مسئولية البحث عن التحديات التى تواجه لغتنا العربية في عالمنا الحاضر فى ظل التطورات العالمية على كافة الأصعدة، إن علينا جميعا تحديدُ تلك التحديات بدقة والانطلاق نحو تذليل تلك الصعاب التي تواجه هويتنا اللغوية ولغتنا الأم.
الأخوة العلماء: لا أخفى عليكم أننا في رابطة الجامعات الإسلامية نحرص كل الحرص على أن نُولي قضية اللغة العربية والدفاع عنها والزود عن حياضها جل اهتمامنا ونحس إيمانيًّا بأهمية نهضتها والحفاظ عليها ودرء الأخطار والمخاطر المُحْدِقةِ بها ونعمل جادين من خلال لجنة النهوض باللغة العربية في الرابطة والتى تضم ثلة من علماء العربية وخبرائها للدراسة والبحث فى واقع اللغة العربية وأسباب ترديها وعوامل نهضتها والتمكين لها واقتراح الخطط والبرامج المحققة لذلك.
وعمل اللجنة ليس قاصرًا على النهوض باللغة العربية على مستوى مصر وحدها أو المنطقة العربية خاصة، بل إن الرابطة تشعر بمسئوليتها تجاه اللغة العربية فى الأقطار التى توجد بها الجامعات الأعضاء بالرابطة، وهذه الجامعات تزيد على المائتي جامعة فى مختلف القارات.
فلغة القرآن هي لغة رابطة بين الماضي والحاضر والمستقبل، يقول الله تعالى: “قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” سورة الزمر – الآية 28.
لذلك يجب أن يتصدر هذا المعنى أولويات العمل لدى كل أبناء الأمة الإسلامية وشعوبها وهيئاتها ومؤسساتها وجامعاتها؛ لأن النهوض باللغة الأم ليس مسألة ثقافية ولا مسألة تربوية أو تعليمية فحسب، وإنما هي مسألة تتعلق بالدين والعقيدة والهوية فى المقام الأول، بالإضافة إلى أنها مسألة تتعلق بالأمن القومي والاستقرار والمصير، فالحفاظ على اللغة الأم، يعد محافظة على الذات وعلى الكينونة والوجود، فما من شعب أراد الحياة العزيزة الكريمة، إلا وتمسك بلغته أمام كل اللغات، ولا بد للأمة الإسلامية من الوعى الكامل بأثر اللغة العربية في تكوين أفرادها وبناء الشخصية المسلمة.
إننا من منطلق مسئولياتنا فى رابطة الجامعات الإسلامية، لندعو الجامعات وكل المتخصصين والمهتمين بالشأن اللغوى إلى مزيد من الدراسة والتأليف وإبداء الآراء واستحداث الأفكار التي تكفل تحقيق الغاية التى نستهدفها جميعًا لنقيل لغتنا العربية من عثراتها القائمة، لتأخذ مكانها ومكانتها كأقوى خيط في نسيج الأمة الإسلامية.
أنا لا أريد أن أطيل على حضراتكم لأفسح المجال للاستماع إلى السادة العلماء الأجلاء الكرماء، لكن لابد وقبل أن أختم كلمتى بتوجيه خالص الشكر والتقدير لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر على رعايته الكريمة للمؤتمر ولأخي العزيز معالى أ.د. سلامة داود رئيس الجامعة على هذا اللقاء الطيب المبارك، وكل الشكر لحضراتكم ولكل القائمين على تنظيم هذا المؤتمر المبارك، الذى أدعو الله تبارك في علاه أن يكون ثمرة يانعة نافعة لخدمة لغتنا العربية الحبيبة لغة القرآن الكريم. ولله در القائل:
لُغَةُ القرآنِ هيَ الحياةُ لأُمَّةٍ
وهِي السَّبيِلُ لِعزَّةِ الْأَوْطانِ
اللهُ شَرَّفَها وأَعْلَى قَدْرَها
في مُحكَمِ التَّنْزيلِ والتِّبيانِ
لغةٌ حَباها اللهُ حَرْفًا خالِدًا
فَتفَرَّدَتْ بِالعزِّ والسُّلطانِ
غَزَتِ اللُّغاتِ فَخُورةً بِبيانِها
وتَضَوَّعَتْ عَبَقاً علَى الْأَزْمانِ
وثِمارُها قَدْ أَينْعَتْ فَوَّاحةً
مِعْطارَةً بالرَّوحِ والرَّيْحانِ
يا أهل اللغة الكرام:
أَنْتُمْ حماةُ الضَّادِ فاحْمُوا ساحَها
واسْتَبْسِلُوا فِي حَوْمةِ الميدانِ
واسْتَنْهِضُوا هِمَمَ النُّفوسِ وَشمِّروا
عَنْ ساعدِ الجدِّ الرَّفيعِ الشَّانِ
وامْضَوا علَى دَرْبِ الْعُلا يَرْعاكُمُ
ربُّ البريِّةِ مُنْزِلُ الْقُرآنِ
واللهُ يَحْفَظْكُم لحِفظِ كِتابهِ
وَبَيانِ هَدْي الْمُصْطفَى العَدْنانِ
ويصون أزهرنا الشريف منارة
وضاءة بالعلم والعرفان
وَيَصونُ مِصْرَ كِنانَةَ اللهِ الَّذي
قالَ ادْخُلُوها فيِ رِضًا وأَمانِ
خالص تقديري وتحياتي لكم جميعًا، وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أ.د/ أسامة العبد
الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية
رئيس جامعة الأزهر