20 يناير- صفحة دامية ومجيدة فى تاريخ آذربيجان
سيد عبد الله جباروف
مشرف قسم العربى فى مجمع التذكارى للإبادة الجماعية فى مدينة قوبا الآذربيجانية
تحيي جمهورية أذربيجان في هذه الأيام، ذكرى مرور 32 عامًا على أحداث مذبحة يناير الأسود، والتي قامت فيها قوات الجيش السوفييتي باجتياح العاصمة باكو من جميع الاتجاهات برًا وبحرًا و جوا، وذلك في ليلة 20 يناير 1990، وأطلقت الدبابات مدافعها الرشاشة تجاه المتظاهرين السلميين المطالبين بالاستقلال عن الاتحاد السوفييتي، لكي تحصد أرواح الآلاف من الأبرياء، في محاولة لإنقاذ النظام الشيوعي من الانهيار الذي حدث بعد شهور قليلة، وتفككت الجمهوريات التابعة لها. ان العدوان العسكري الذي شنته القوات الجيش الاتحاد السوفييتي السابق على الشعب الأذربيجاني في ذلك اليوم سيظل من أفدح الجرائم المرتكبة ضد شعب الىذربيجانى خاصة و الإنسانية عامة.حيث قُتل وجُرح واعتقل المئات من المدنيين الأبرياء بسبب ذالك العدوان المسلح، ناضلوا الآذربيجانييون من أجل الحرية الوطنية والسلامة الإقليمية عشية سقوط النظام الشمولي السوفياتي، فهذه الأحداث الدموية أثبتت مرة أخرى طبيعة النظام الشمولي السوفياتي الإجرامي للآذربيجانيين و للعالم بأسره
عدوان أرمينيا على أذربيجان والطريق المؤدي إلى مذبحة 20 يناير
لا شك فيه أنه ليس من الصحيح دراسة و تحليل الأحداث الواقعة في مدينة باكو في 20 يناير 1990 بشكل منفصل عن العدوان الأرمني الواقعة فى إقليم قره باغ الآذربيجانية ما بين السنوات 1987-1990 ، حيث بدأ الأرمن يقدم مطالبات إقليمية فى منطقة قره باغ ،أي – الأرض الأذربيجانية التاريخية و الحقوقية من أجل تحقيق حلمهم “أرمينيا الكبرى” ، لتحقيق ذالك “الحلم”، إستمر الأرمن نشاطهم العدوانى ليضم إقليم قره باغ إلى أرمينيا. توسعت دائرة الحركة الانفصالية فى إقليم قره باغ. وفقًا للخطة المخططة منذ زمن طويل
أصدر المجلس التشريعي في قره باغ عام 1988 قرارا غير الشرعى يقضي بالانضمام إلى أرمينيا رغم أن إقليم قره باغ يمثل جزءا لا يتجزأ من أذربيجان وفقا للقانون الدولي، كما انتهك مجلس السوفيات الأعلى لجمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفياتية انتهاكًا صارخًا لسيادة أذربيجان وأصد قرارًا غير القانوني تنص على إنضمام قره باغ إلى أرمينيا الاشتراكية السوفياتية في 1 ديسمبر 1989، ثم وُضعت مؤسسات إقليم قره باغ المتمتع بالحكم الذاتي تحت سيطرة الوزارات والإدارات ذات الصلة في أرمينيا.
وتجدر الإشارة إلى أنه بسبب تقاعس المركز السوفيتى المباشر، وفي بعض الأحيان عن رعايته المفتوحة ، انفصلت إقليم قره باغ مقاطعة المتمتعة بالحكم الذاتي عن أذربيجان وضمت إلى أرمينيا بشكل غير قانوني. وغيرت جميع شعارات الدولة لأذربيجان فى الإقليم (العلم ، شعار النبالة ، النشيد الوطني ، وما إلى ذلك) الى شعارات الدولة الأرمينية منتهكة القواعد والمبادئ الرئيسية للقانون الإتحاد السوفيتى و القانون الدولي. أظهرت أرمينيا رسميا ادعاءاتها ضد وحدة أراضي أذربيجان، فلا شك ان الأخطاء الكبيرة للقيادة السوفيتية والسياسة الموالية للأرمن أدت إلى تدهور الوضع في أواخر عام 1988 وأوائل عام 1989. حيث اتسع نطاق العدوان الأرمني في إقليم المتمتعة بالحكم الذاتي التابعة لجمهورية آذربيجان والمناطق الحدودية بين أذربيجان وأرمينيا، وأدت الأعمال الإرهابية التي ارتكبت في تلك السنوات إلى مقتل المئات من الأذربيجانيين المدنيين
وفى اوائل شهر يناير 1990 ، قامت قيادة الإمبراطورية السوفيتية ، برئاسة غورباتشوف ، بنشر معلومات مضللة مختلفة لأجل إدخال القوات السوفيتية إلى مدينة باكو ، بحجة أن الوضع في باكو كان خارج السيطرة وأن الحكم السوفيتى فى آذربيجان كانت في خطر شديدة، وفي 19 من يناير 1990 ، انتهك غورباتشوف دستور الاتحاد السوفيتي بشكل صارخ ووقع مرسومًا بإعلان حالة الطوارئ في باكو اعتبارًا من 20 يناير. لكي لا يعلم سكان باكو عن إعلان حالة الطوارئ تم تفجير محطة الطاقة في تلفزيون أذربيجان، في 19 يناير الساعة 7:27 مساءً ، وتم إيقاف البث التلفزيوني الرسمى في الجمهورية ليلا، فدخل القوات السوفيتية إلى لمدينة باكو دون علم سكانه بإعلان حالة الطوارئ ، وتعرض السكان المدنيون لهجمات بلا رحمة!
لم تصل المعلومات حول إعلان حالة الطوارئ في باكو إلى السكان إلا في 20 يناير الساعة 7 صباحًا من خلال الإذاعة الجمهورية، حتى تصل المعلومات حول إعلان حالة الطوارئ تم قُتل مئات من الأشخاص، وأصيب أكثر 744 شخصًا بجروح خطيرة، وفقد مئات أشخاص، واعتقل أكثر 800 شخص.
كذالك دخلت القوات السوفيتية مدينة نفتشالا في 25 يناير ، وبعد يوم واحد ايضا ، تم عزو مدينة لانكران ، مما أسفر عن مقتل أشخاص مسالمين في كلا المنطقتين. وبالتالى ، بلغ عدد القتلى بسبب التدخل العسكري للقوات السوفيتية في باكو ومناطق أخرى في أذربيجان رسميًا 151 شخسا
إن مذبحة 20 يناير، تشكل عدوانًا وانتهاكًا للقوانين والمواثيق الدولية، ارتكبها قرابة 26 ألف جندي من الجيش السوفيتي، وأنهم أطلقوا الرصاص و مدافع الدبابات في كل اتجاه على المتظاهرين السلميين تحت إسم إنقاذ الدولة الشيوعية من الانهيار و السقوط
وقد سجلت في التقرير لمنظمة “شيت” – أي منظمة خبراء عسكريون أحرار، بأن القوات الاتحاد السوفيتي اطلق النارعلى المواطنيين المدنيين بقساوة خاصة و وحشية ومن مسافة قريبة جدا، وعلى سبيل المثال تم إطلاق النار على ر،روستاموف 23 مرة، و على د. خانحمادوف أكثر من 10 مرات و على ي. ةيروفيج 21 مرة. كما اطلق النار على المستشفيات و على سيارات الإسعاف وقتل الأطباء و رجال الشرطة، استخدام رصاصة من عيار 5.45 من مدفع رشاش “كلاشينكوف”
ان غزو قوات الاتحاد السوفيتي للعاصمة باكو، مثل صدمة للشعب الآذربيجانى، ولم يتوقع أحد من أبنائه أن يكون الهجوم بهذه الوحشية والقساوة، خصوصًا وأن آذربيجان لم يقدم للسلطة البلشيفية إلا كل خير
و أظهر الزعيم القومى الآذربيجانى الموقف الوطني المشرف مستنكرا تلك الأحداث المأساوية حيث أنه في 21 يناير 1990، مباشرةً بعد حدوث هذه المأساة المروعة، زار الزعيم الوطني حيدر علييف مكتب التمثيل الدائم لأذربيجان في موسكو برفقة أفراد أسرته، وأعرب عن تضامنه مع شعبه، وأدان القيادة السوفيتية بشدةٍ لارتكابها تلك المأساة الدموية، واعتبر الأحداث التي وقعت في أذربيجان انتهاكًا للقانون والديمقراطية والإنسانية، ومبادئ بناء الدولة الدستورية
كما وصف الزعيم الوطني حيدر علييف مذبحة يناير بأنها اعتداء على الحقوق السيادية للشعب الأذربيجاني وقال: “أعتقد أن المأساة التي وقعت في الفترة ما بين 19 إلى 20 يناير، كانت نتيجة للخطأ الكبير الذي ارتكبته القيادة السياسية للاتحاد السوفيتي، وتحديداً غورباتشوف وطموحاته الديكتاتورية، فضلاً عن خيانة القيادة الأذربيجانية آنذاك وجرائمها ضد شعبها. فعلى حد علمي، منذ نهاية الحرب الوطنية العظمى، لم تظهر عمليات قتل جماعي بهذه الدرجة من القسوة في الاتحاد السوفيتي في أي مكان، ولا في أي منطقة
رد فعل دول العالم على مذبحة 20 يناير
في 20 يناير ، سمع العالم بأسره الأخبار عن المذبحة المروعة في باكو. شهد العالم التدخل العسكري للقوات السوفيتية في باكو، قام العديد من دول العالم و شعوبها الأحرار بالاحتجاج مستنكرا تلك العزو الوحشية . حيث تسببت الجرائم التي ارتكبت في باكو في ردود فعل قاسية في بلدان المجاورة و فى دول الإسلامية و العربية ، حيث نظمت مسيرات ومظاهرات عدة البلدان العالم.
فأما فى الدول الغربية نظرا لشعبية زعيم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ميخائيل جورباتشوف في الغرب لم يقم دول الغربية وزعمائهم بإدانة تلك الجرائم الدموية
فيما يتعلق بالمذبحة الدموية في باكو، أدلت ممثلة وزارة الخارجية مارجريت تاتويلر ببيان نيابة عن الحكومة الأمريكية أن الولايات المتحدة لا ترى ضرورة للتعليق على أحداث يناير في باكو
واصدرت وزارة الخارجية البريطانية بيانا واعتبرت الوضع في اذربيجان “شأن داخلي يخص الاتحاد السوفياتي” “
فأما من عجيب العجاب ان المجتمع الدولي منح ميخائيل جورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفيتي، جائزة نوبل للسلام، رغم أنه المتسبب الرئيسي في مذبحة باكو، ولا يخفى على أحد ان هذه الأمر إزدواجية المعايير، لأن جورباتشوف نفسه اعترف عام 1995، بخطئه في إعلان حالة الطوارئ في أذربيجان، و إرسال القوات السوفيتي الى آذربيجان والسماح بالأحداث أن تسير إلى هذا الشكل الدامي.
أظهرت مأساة 20 يناير ثبات الشعب الأذربيجاني وتصميمه وإرادته الحرة، فعلى الرغم من حظر التجول الذي فرضه الجيش السوفيتي في باكو حينها، نظم الشعب الأذربيجاني مسيرة حاشدة في ميدان “أزادليق-أي الإستقلال” بالمدينة في 22 يناير لإحياء ذكرى “شهداء 20 يناير “، وحضر مراسم الدفن في ساحة الشهداء قرابة مليوني شخص
كان هذا الحدث التاريخي هو العامل الحاسم في تشكيل الهوية الوطنية الأذربيجانية وكان السبب في استعادة الاستقلال الوطني. لقد حولت مأساة يناير حركة التحرير الوطني إلى واقع سياسي ودفعت الشعب الأذربيجاني إلى مضاعفة نضاله من أجل الاستقلال الوطنى .
أصبحت “يوم 20 يناير الدامي” نهاية حكم الاتحاد السوفيتي في أذربيجان و فى دول الإتحاد السوفيتى جميعا. حيث استعادت أذربيجان استقلالها في 18 أكتوبر 1991. يتذكر المواطنون الأذربيجانيون ابنائهم البواسل الذين فقدوا حياتهم لأجل الوطن الغالية ولأجل الحرية و الإستقلال ،و كما يحي أذربيجان حكومة و شعبا مأساة “يناير الدامي” ويحي ذكرى شهداء الأبطال الذين لقوا حتفهم في طريق الاستقلال و أن مراسم الحداد تقام في أذربيجان كل عام، في ذلك التوقيت من كل عام تكتسي باكو باللون الأسود .
وعند منتصف نهار 20 يناير من كل عام، يقف الجميع على مستوى الدولة دقيقة صمت إحياءً لذكرى شهداء 20 يناير. وتنطلق صافرات الإنذار في السفن والسيارات والقطارات في جميع أنحاء البلاد ، وتقام المراسم التذكارية في كافة المدن والبلدات، ويتم تنكيس العلم الوطني فوق كافة المباني .