تأهبا لموسم الحج.. السعودية تجري استعدادات مكثفة لاستقبال ضيوف الرحمن في الموسم المبارك وتستطلع آراء ممثلي الجاليات خارجيا
كتبت – حسناء رفعت
تتأهب المملكة العربية السعودية لموسم الحج المبارك، لاستقبال ضيوف الرحمان، حيث تستطلع آراء الرموز الدينية حول العالم حول خدمة المناسك والحجاج، حيث استضافت حلقات تلفزيونية الشيخ الدكتور عبدالحميد متولي رئيس المجلس الإفتائي ورئيس الجامعة الإسلامية بأمريكا اللاتينية، والسيد حسين الداودي رئيس المجلس الإسكندنافي للعلاقات، عضو مجلس رابطة العالم الإسلامي، والسيد حسان بن موسى نائب المجلس السويدي للإفتاء للحديث حول الحج.
يشار إلى أنه قد أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام واستهل معاليه خطبته الأولى عن فضل الأخ والأخت فقال: من صلب الأب خرجوا ، أو في رحم الأم اجتمعوا ، أو فيهما جميعا نشؤا ، إنهم الإخوة الأشقاء ، والإخوة لأب ، والإخوة لأم ، إنهم جميعاً إخوان النسب .
بطن الأم حملهم ، وحضنها ضمهم ، ومن لبنها أرضعتهم .
الأخُوَّة : رابطة نسبية ، ومحبة فطرية ، وقربة شرعية .
الإخوة والأخوات هم جمال الدنيا ، وأنس العين ، بوصلهم تتوثق الحياة ، وبحبهم تحل السعادة ، وبصلتهم تكون طاعة الله وابتغاء مرضاته .
العلاقة بين الإخوة من أرق العلاقات وأرقاها ، وأَشدِّها وأقواها ، وأقدِرها على البقاء ، ومن أصلبها في الملمات ، من أوثقها في مواجهة الصعاب والأزمات .
معاشر الإخوة : وتبدأ هذه العلاقة الكريمة في التوثق والتمتن من الوالدين ، فالوالدان هما اللذان يربيان أبناءهما تربية تزرع فيهم حقوق الُأخوَّة ، إن تعاملهما مع أبنائهما هو سر العلاقة التي تنشأ بين الإخوة .
وأعظم ذلك وأكبره تحقيق العدل في كل أنواع التعامل معهم من النظرات ، والقُبْلات ، والهدايا ، والأعطيات ، وتجنب المقارنات الخاطئة ، والبعد عن الغلظةِ في المعاملة لبعضهم دون بعض ، والحذر من تشجيعِ من يستحق التشجيع بتحقير الآخرين ، أو الحطِّ من قدرهم .
ثم تحدث معاليه عن فضل العيش مع الإخوة فقال : الحياة مع الإخوة في بيت الوالدين نعمة عظيمة ، وصلة حميمة ، يتبين جمالها ، ويظهر الحنين إليها حينما ينتقل الأخ إلى بيت الزوجية فتنبعث الأشواق إلى إخوانه وإلى منزل والديه ، مأدبةِ الطعام المشترك ، ومشاركة الحياة في العواطف ، وأحاديثِ المودة ، وارتفاع الأصوات وانخفاضها في انسجام ، وأخذ ورد ، وعفو ، وتسامح ، وعطاء وتغافل ، والتماس للأعذار .
بيئة كريمة تصان فيها الحقوق ، وتغرس الفضائل ، توقير للكبير ، ورحمة بالصغير ، واحترام للند والمماثل .
وتحدث معاليه عن مشاركة الإخوة فقال: أخوك تعطيه ويعطيك ، وتأخذ منه ويأخذ منك ، تتفق معه وتختلف ، تعاتبه ويعاتبك ، ثم تصطلحون ، وفي آخر النهار تضحكون وتسمرون .
يفرح لفرحك ، ويحزن لحزنك ، يرد غيبتك ، ويستر عيبتك ، إذا مددت يدك إلى خير مدها ، وإن رأى فيك ثغرة سددها ، وإن نزلت بك نازلة واساك ، وإن سألته أعطاك ، وإن سكت ابتداك ، يؤثرك في الرغائب ، ويتقدم عليك في النوائب ، إذا غبت افتقدك ، وإذا غفلت نبهك ، وإذا ضللت أرشدك ، وإذا دعا ربه لم ينسك ، هو التاج على الرأس ، والقلادة على الصدر .
أخوك إذا وقع فارفعه ، وإذا احتاج فساعده ، وإذا ضعف فأسنده .
الإخوان هم على نوائب الدهر أعوان ، يُستظل بهم ، ويُعتمد عليهم ، أوثق من يُستوثق ، وأودع من يُستودع .
أخوك عضيد لا يلين ولا يتراخى ، ولا يدبر ، ولا يتخلى ، هو مكمن السر ، ومحل الستر .
أخوك أخوك : ينشر الحسنات ، ويطوي السيئات ، إذا خدمته صانك ، وإذا صحبته زانك ، أنس الخاطر ، وسلوة القلب ، وقرة العين ، وهو عصاك التي تتوكأ عليها .
ومن لطائف التفسير : أن الله سبحانه كلما ذكر نبيا وصفه بأنه أخو قومه : ﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ﴾ قال تعالى: ﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ﴾ قال تعالى : ﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ﴾ قال أهل العلم سماه أخا تنبيها إلى إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه .
وبين معاليه عن خسارة مكانة الإخوة فقال: من الخسارة والغبن أن لا تعرف مكانة أخيك إلا بعد أن تفقده ، نعم تفقده إما بموت ، أو بسبب مطامع الدنيا ، فتبقى وحيدا لا تقدر على شيء.
كم من أخ بكى على قبر أخيه متمنياً لو اصطلحا قبل لحظة الفراق .
إن الحفاظ على الأخوة في قوتها ومتانتها تحتاج إلى عقل ، وحكمة ، وصبر ، وتحمل ، وتضحية .﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ .
لا تقابل تصرفات إخوانك بالتحليل والتدقيق ، فأغلبها أو جُلُّها عفويةٌ تلقائية لا تقبل التحليل ولا التعمق ، ولا تستحق الوقوف عندها .
واعلم أنه مهما طالت علاقتك بإخوانك فهي لن تدوم ، فلسوف يقطعها أقربكم أجلاً ، وأعجلكم موتا ، فبادر – حفظك الله – بكل خير ومكرمة ، قولاً وفعلاً ، ولا تمنن تستكثر .
إذا كنت ذا علم ، أو منصب ، أو جاه ، أو ثراء ، أو شهرة ، فانزع عنك هذه العباءات كلَّها حينما تكون مع أهلك وإخوانك .
بادر بالتواصل مع إخوانك حتى ولو كنت ترى أن الحق لك .
احرص على ضبط التعاملات المالية بالدقة ، وكتابتها ، والإشهاد عليها ، وتوثيقها .
من الكمال والجمال والمروءة أن تُظْهِر افتخارَك بإخوانك ، وبما يمتازون به من فضل ومكانة .
أخبارك وأحوالك ينبغي أن تصل إلى إخوانك عن طريقك لا عن طريق غيرك بعد تقدير المصلحة في ذلك .
واعلم – حفظك الله – أن كثرة الشيء ترخصه ، فلا تكن كثير اللوم ، والنقد ، والعتاب ، والاستقصاء ، والتشكي .
واعلم أن كثرة العتاب طريقُ النفرة والاجتناب .
يقول علي رضي الله عنه : من لم يحمل أخاه على حسن النية لم يحمده على حسن الصنعة .
ويقول حمدون القصار رحمه الله : إذا زل أخوك فاطلب له سبعين عذراً ، فإن لم يقبله قلبك ، فاعلم أن العيب فيك ، حيث ظهر لك سبعون عذرا فلم تقبله .
واختتم معاليه خطبته الأولى عن حقيقة الإخوة فقال: حقيقة الأُخوَّة : مودة في القلب ، ولطف باللسان ، ورفد بالمال ، وتقوية بالأدب ، وحسن الذب عن العيب ، وتناصر ، وتعليم ، ونقل خبرات.
الأخوة الصالحة : تورث المجد ، والإيثار ، وتبعد الحسد ، والشحناء ، والغل والقطيعة.
ومن المقطوع به في تجارب الناس أن اجتماع الإخوة يزيدهم قوة ، وتفرقهم يوقعهم في الضعف والهلكة .
الإخوان والأخوات نعمة عظيمة ، ومنحة جليلة تحتاج من يقدرها ويحوطها ويحافظ عليها . حسن العلاقة ، وجمالها سبب متين لسعادة الدنيا وفلاح الآخرة .
وتحدث معاليه في خطبته الثانية عن صيانة ومراعاة الأخوة فقال: الأخوَّة نعمة تصان بالرعاية ، وتحاط بالعناية ، وتحفظ عن المكدرات ، وتحرس عن المنغصات ، الأخوة : أنس في الوحشة ، ونور في الظلمة ، وفرح في الحزن .
استعيذوا بالله من إخوة بينهم شحناء ، وعداوةٌ وبغضاء ، وغلظة وجفاء ، قطيعة شنيعة ، وفرقة فظيعة ، خيرهم مصروف للناس ، وشرهم مجموع للإخوان ، البعيد أنيسهم ، والقريب موحشهم ، الوجوه بينهم عابسة ، وقلوبهم فيما بينهم قاسية ، صدورهم ضيقة ، لعبت بهم الأهواء ، وفرقهم وسخ الدنيا ، وعبث فيهم الطمع ، فقطعوا أرحامهم .
يكدر صفو الأُخوَّة ضعفُ الإيمان ، ونسيان الديان ، واستدراج الشيطان .
يكدر صفوة الأخوة مطامع الدنيا : مال ، وميراث ، وعقار ، وإيجار .
واختتم معاليه خطبته الثانية عن البيوت السعيدة والتعيسة فقال: لعلكم تستذكرون إخوة تقاطعوا أعواماً ، أو إخوة ترافعوا أمام المحاكم تداعيا وخصاما ، وإخوة نهبوا حقوق إخوانهم وأخواتهم ظلما وعدوانا .
كما تتذكرون إخوة بكوا دماً ، كما بكوا دموعاً بعد فراق إخوانهم متمنين لو اصطلحوا قبل الفراق ، وتراضوا قبل يوم الحساب .
هذه النماذج هي التي يستذكرها الناس ويتداولون أحوالهم وقصصهم .
أما الإخوة المتصافون المتحابون ، فلا يذكرهم الناس لأن الحكمة تقول : (البيوت السعيدة لا صوت لها ) ، ( والضجيج تصدره الأواني الفارغة ) .
فهذه البيوت الكريمة يصعب حصرها ، ويعجز العاد عن عدها .
بل كم رأيتم أسراً كبيرة قد اجتمعت في مناسباتها في الأعياد ، والأفراح ، والأتراح ، ورأيتم السرور يعمهم ، والسلام يُظِللهم ، ثم تظنون أن هذه الأسر المباركة لا مشكلات عندهم ، ولا اختلافات بينهم ، بل إنهم أسر كريمة غلَّبوا جانب الدين ، والعقل ، وحقِّ الرحم ، فخفضوا فيما بينهم الجَنَاح ، وبسطوا في دوربهم التودد ، وتنازلوا عن كثير من الحقوق ، لانهم بعقلهم وتدينهم أدركوا أن خفض الجَنَاح ليس ضعفاً ، والتودد ليس نفاقاً ، والتنازل ليس انكساراً .