الإسلام بين الحقيقة والتشويه.
بقلم : عثمان الأهدل
استضافت إحدى القنوات الألمانية سياسي مخضرم، وكان محور الحديث معه عن “الإسلاموفوبيا”، أو بما يعرف بالإرهاب الإسلامي. كان ردهُ منصفاً أذهل الحاضرين وأحرج المذيع، إذ قال :”من هم الإرهابيون هل هم المسلمون أم الذي أباد خمسين مليون نسمة في سنوات قلائل لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، أم الذي أباد مدينتين في اليابان بقنبلة ذرية أبادتهما في دقائق، بينما محمدٌ نبي المسلمين لم يقتل أكثر من أربعمائة نفس طوال فترة حروبه التي امتدت لعشرين عاما، فكفانا كذبا وتدليسا على العالم، ناهيك عن الحروب السابقة التي قتلت الملايين باسم الدين في أوروبا”. قال تلك الكلمات وسط صمتٍ مُستنكر من قبل الحضور لجرائم تم تزينها بمساحيق البطولات.
فقد صدق الرجل عندما ندرك أن جهاد سيد المرسلين لم يكن لارغام الناس على اعتناق الدين بتاتًا، بل كان جهاده من أجل تحريرهم من أغلال الطغاة، ولفسح المجال للدعاة يدعون الناس بالحوار والإقناع، تماهيًا مع قوله جل في علاه :{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. ولم يكن يرغم الناس حتى بعد جدالهم فكان يكتفي بأن يقول {لكم دينكم ولي دين}. فالهداية من الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
الجهادُ واجبٌ مستمر ولن يتوقف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأول الجهاد هو مجاهدة النفس عن حرمات الله وامتثالًا لأوامره، هذا هو أساس الجهاد، جاء ذلك في قوله سبحانه :{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. ولم تغلق أبواب السماء علينا وتزول بركاته سبحانه إلا بذنوبنا، وقد قيل في الأثر الصالح؛”وأننا ننتصر على عدونا بطاعتنا لله ومعصية عدونا له، فإذا استوينا في المعصية، كانت لعدونا الغلبة، بالعدد والعدة “، ولم يكن للعرب في يوم ما، القوة والمنعة بين الامبراطوريات الفارسية والرومانية وغيرها من الامبراطوريات البائدة إلا بالإسلام، فانقلبت صفحات ذلهم بفضله إلى صفحات سطرت أمجادهم وانتصاراتهم، حتى اسمعت طبول حروبهم قارة أوروبا وبلاد فارس والسند والهند، وخضعت لهم أباطرة الشرق والغرب، وعن ذلك قال الفاروق الاواب رضي الله عنه :” كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”.
وبما أن الجهاد قد حيل بيننا وبينه لضعفنا، فإن جهاد النفس وتطهيرها من درن الذنوب هو من أولويات الجهاد، فالتمسك بكتاب الله وسنته هو جهاد لا يقل عن الجهاد الفعلي في ميادين الوغى، وقد قال الله سبحانه في الحديث القدسي :{فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها}. فهيبت المؤمن من هيبة الله، يجعل الأرض تُطوى تحت أقدامه، وتخشاه النفوس ويجعله نبراسا يُقتدى به، ورسولًا إلى الكفرة يترجم سماحة الدين وأمانته، وهذه هي صفات الرسل الذي ينبغي عليه أن يتجسد بها من ابتلى بالهجرة لبلاد غير المسلمين.
فاندونيسيا من أكبر الدول عددًا وعدة، اعتنق أهلها الإسلام حينما رأوا ما رأوه من سماحة العرب الذين هاجروا إليها للتجارة، فعكست أخلاقهم الراقية على نفسيات من تعاملوا معهم، جعلوهم يتعطشون لمعرفة المزيد عن رحابة هذا الدين وسماحته، فالنفس جُبلت على تقبل كل ما يواكب فطرتها التي انحرفت عنها، فكيف لو كنا لا نزال قدوة في أفعالنا وتصرفاتنا نبراسًا للمغلوبين على أمرهم لانتشرت راية الإسلام في شتى بقاع الأرض. ولا سيما أن عدو الله ابليس أخذ من البشرية مأخذًا، وغدوا يبحثون عن السكينة والطمأنينة.
وما يؤلمنا حقيقة ربط كلمة الجهاد بالإرهاب كذبًا وبهتانًا يساعدونهم في ذلك بعض المتخاذلين المحسوبين على أمتنا، وما تقهقرنا في واقع الأمر إلا لرضانا بحياة الدعة وسريان الخور في أجسادنا، رضينا بالدونيةِ وتعلقنا بسقط الفانية، وتركنا ما عند الله وراء ظهورنا.
فليعي من يعي أن الفكر الإرهابي لا يمثل الإسلام، فهو يمثل نفوس مريضة فهمت الدين خطًأ، أو حفنة من المدسوسين من قبل أعداء الله غايتهم تشويهًا له وإظهاره بأنه دين يدعو إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء. ولا سيما أن الله بعث رسول هذه الأمة رحمة للعالمين :{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الانبياء 107]، بل أن المستضعفين من اليهود وغيرهم كانوا يفرون إلى بلاد المسلمين كملاذ أمن لهم من بطش أباطرتهم وملوكهم في وقت عصورهم المظلمة، فأين المنصفين من كُتّاب التاريخ عجما كانوا أم عربًا، فليتحلوا بالشجاعة وأخلاق النبلاء وليكن نبراسهم كلمة حق في وجه الفجرة لإسكات المرجفين، وأن الدين سيغدو حجة علينا ولن يرحمنا التاريخ. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.