سلاح ذو حدين يهدد جيلاً كاملاً… كيف أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي فخاً بدلاً من جسر للتواصل؟
بقلم: كمال فليج

في زمننا الحالي، لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد خيار ترفيهي، بل تحولت إلى فضاء معيشي لا يقل أهمية عن الواقع بالنسبة لجيل الشباب. إنهم “جيل الشاشات”، الذي وجد في هذه المنصات (فيسبوك، إنستغرام، تيك توك…) صوته ومنصته للتعلم.
ومع ذلك، يكشف التدقيق العميق أن كفّة الآثار السلبية أصبحت اليوم أرجح بكثير من الإيجابيات، مهددة الصحة النفسية والنسيج الاجتماعي لشبابنا.
وهم الكمال: معركة الصحة النفسية الصامتة إن الخطر الأكبر لوسائل التواصل يكمن في بنيتها الأساسية التي تغذي ثقافة المقارنة. يُعرَض على الشباب يومياً سيل لا ينقطع من اللحظات “المثالية والمُفلترة” لحياة الآخرين؛ صور للنجاح المادي، والجمال الخارق، والسعادة المبالغ فيها. هذا التدفق المستمر يخلق شعوراً مزمناً بـالنقص وعدم الكفاءة.
يبدأ الشاب في قياس قيمته الذاتية بناءً على عدد “الإعجابات” أو المتابعين، وهو مقياس هش وغير واقعي. هذا يؤدي مباشرة إلى تفاقم مشاعر القلق والاكتئاب وتدني احترام الذات، حيث يشعر المرء أن حياته أقل إثارة أو أهمية مما يراه على الشاشة.
وكما أكدت العديد من الدراسات، فإن الاستخدام المفرط يتناسب طردياً مع زيادة الأعراض النفسية السلبية لدى المراهقين. عزلة “متصلة”: تآكل الروابط الاجتماعية المفارقة المؤلمة هي أن هذه الأدوات، التي سُميت للتواصل، هي السبب الرئيسي في العزلة الاجتماعية الحقيقية. بدلاً من الجلوس مع العائلة أو الأصدقاء وجهاً لوجه، ينغمس الشباب في شاشاتهم، متواصلين مع أشخاص بعيدين على حساب العلاقات القريبة.
هذا الانعزال يترجم إلى نقص حاد في المهارات الاجتماعية الواقعية. يجد الشاب صعوبة في بدء حوار حقيقي، وقراءة لغة الجسد، أو إظهار التعاطف الحقيقي، وهي مهارات ضرورية لبناء مجتمع سليم وعلاقات إنسانية عميقة ومستدامة. أصبحت الحياة الافتراضية بمثابة “بديل مريح” للجهد الذي يتطلبه التواصل الحقيقي. الخوارزميات المُسببة للإدمان وتشتيت التركيز إن خوارزميات هذه المنصات ليست محايدة؛ هي مصممة لإبقائنا مُلتصقين بالشاشة لأطول فترة ممكنة، مستغلة علم النفس البشري لتعزيز الإدمان الرقمي.
نظام المكافآت المتغير (متى سأحصل على الإعجاب التالي؟) يؤثر على مراكز المتعة في الدماغ. كما أن المحتوى السريع والمجزأ (مثل فيديوهات تيك توك القصيرة) يقلل من القدرة على التركيز العميق والطويل الأمد، وهي قدرة حاسمة للنجاح الأكاديمي والمهني. يتعود العقل على التحفيز الفوري، ويصبح من الصعب عليه الانخراط في المهام التي تتطلب صبراً وتركيزاً، مثل القراءة المتعمقة أو الدراسة.
تحديات الثقافة والوعي: من التنمر إلى التضليل يواجه شبابنا تحديات أخلاقية ومعرفية خطيرة: التنمر الإلكتروني: يختبئ الكثيرون خلف الأسماء المستعارة لبث الكراهية والتنمر، مما يترك جروحاً نفسية عميقة تتجاوز الواقع. المعلومات المضللة: سهولة انتشار “الأخبار الكاذبة” والمحتوى المتطرف أو الذي يتعارض مع قيمنا الثقافية والدينية، مما يهدد وعي الشباب وقدرتهم على التمييز النقدي.
تآكل الهوية: الانفتاح اللامحدود على ثقافات عالمية مغايرة قد يخلق حالة من التشتت والارتباك الهوياتي، مما يجعل الشاب في صراع بين جذوره وقيمه الموروثة وبين الأنماط الحياتية المستوردة.
الاستخدام الواعي: مسؤولية مشتركة لا يمكننا إغلاق الباب على هذه التكنولوجيا، لكن يمكننا أن نختار كيف نستخدمها. يتطلب الأمر الآن جهداً جماعياً لإنقاذ جيلنا
دور الأسرة والمدرسة: يجب تعزيز التربية الإعلامية، وتعليم الشباب كيفية التمييز النقدي بين المحتوى الموثوق والمضلل، وتشجيعهم على الأنشطة الواقعية.
مسؤولية الشباب: عليهم أن يدركوا أن الشاشة ليست هي الحياة، وأن يقننوا أوقات استخدامهم، وأن يركزوا على “الصيام الرقمي” المتقطع لتعزيز عافيتهم النفسية.
دور الرقابة والمنصات: ضرورة الضغط لفرض تشريعات تحد من المحتوى السام، وتغيير الخوارزميات التي تهدف إلى الإدمان، وتوفير بيئة أكثر أماناً.
وسائل التواصل هي مرآة لعصرنا، وعلينا أن نضمن ألا تعكس سوى جوانبه المشرقة. إنقاذ جيلنا من فخ العزلة والقلق يبدأ بتغيير علاقتنا بالشاشة، وتحويلها من سيد مستعبد إلى خادم نافع.


