شعر و قصص

قبل أن يغيبوا بصمت

بقلم: الكاتبة وجنات صالح ولي

 

يحدث أحيانًا أن يرحلوا دون أن يتركوا أثرًا، سوى وجعٍ خفيّ لا يُرى.
يغادرون وهم يحملون في صدورهم كلماتٍ لم يقولواها، وعتبًا لم يجد طريقه إلينا، ومشاعرَ خبّأها الخوف، أو الغرور، أو خيبةٌ لم تُشفى بعد.
رحلوا بصمتٍ يشبه الغروب… لا ضجيج فيه، لكنه يأخذ من القلب ضوءه الأخير.

كم من شخصٍ كنّا نظنه بخير، بينما كان يذوب من الداخل؟
وكم من علاقةٍ انتهت لأن أحدهم لم يستطع قول “تعبت”، أو “احتجتُك”، أو حتى “سامحني”؟
نحن لا نخسرهم فجأة… بل تخسرهم التفاصيل الصغيرة التي لم ننتبه إليها، النظرات التي لم نفهمها، والصمت الذي لم نحاوره.

مرعبةٌ فكرةُ أن يموت من نحبّهم وهم يحملون في داخلهم حديثًا صامتًا لم يتحدثوا به…
ربما كان على هيئة عتابٍ خبأوه في صدورهم خوفًا من المواجهة، أو قناعةً بأنه لا يُجدي.
تلك الأحاديث التي طُويت ودفنت معهم، كان لها وجعٌ داخليّ تحمّلوه وصمتوا عليه.
فإياك أن ترغم نفسك على عيش ذلك الشعور، عبّر، وقل ما بداخلك، قبل أن تُصبح أنت الصامت الذي ينتظر من يفهم صمته بعد الرحيل.

إنه الرحيل الأكثر وجعًا — حين يختارون الصمت بدل البوح، والغياب بدل التفسير، لأنهم لم يجدوا فينا الإصغاء الذي يرمم ما انكسر فيهم.
رحلوا، وبقي صداهم عالقًا في الذاكرة، ككلمةٍ لم تكتمل.

قبل أن يغيبوا بصمت…
أنصتوا لمن تحبون، اسألوا عنهم حين يبدون أقوياء أكثر من اللازم، واحتضنوا تلك القلوب التي تُخفي خلف ابتسامتها وجعًا ثقيلًا.
فالصمت لا يعني الرضا دائمًا، والغياب لا يعني النسيان…
أحيانًا يعني أن أحدهم كان يحتاجنا، ولم ننتبه.

اظهر المزيد

كمال فليج

إعلامي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى