
تردّد عادل قليلًا قبل أن يطرق باب الجيران، أحسّ بخفقانٍ غريب في صدره، كأن قلبه يسبقه نحو الجدار المقابل. لم يكن يدري أن القدر ينتظره خلف هذا الباب.
طرق بخفة، ثم ثانية…
وإذا بالباب يُفتح على وجهٍ لم يره من قبل — وجهٍ كأن الصباح ألقى نوره عليه، وعينان تنظران إليه بخجلٍ ودهشة في آنٍ واحد.
قالت بصوتٍ ناعم:
“تفضل… من الطارق؟”
تلعثم عادل وهو يقول:
“آسف… الكورة طاحت في حوشكم، جاي أستأذن آخذها.”
ابتسمت برقة، ثم التفتت تنادي:
“بابا! ولد الجيران يبغى الكورة.”
دخلت بخطواتٍ خفيفة، بينما ظلّ عادل واقفًا مذهولًا من ذلك اللقاء العابر الذي سكن قلبه منذ اللحظة الأولى.
عاد ومعه الكرة، لكن روحه بقيت هناك… بين جدرانٍ شهدت ميلاد أول خفقة حبّ في حياته.
كانت تلك الفتاة أمل، الاسم الذي سيصبح فيما بعد جرحًا لا يندمل في ذاكرته.
مرت الأيام، وصارت لقاءاتهما تتكرر مصادفة — أو هكذا كان يظن.
عند بائع الخضار، في طريق المدرسة، أو حين كانت تنشر الغسيل في فناء البيت.
نظرات خجولة، وابتسامات عابرة، لكن بين كل لحظة وأخرى كان القلب يكتب رسالة جديدة لا تصل باليد، بل تسافر مع الريح.
وذات مساءٍ، كتب عادل في دفتره الصغير:
> “هي لا تعرف أنني أحبها… لكنها تشعر بي، تمامًا كما أشعر بها، حين يمرّ النسيم بيننا حاملاً عطرها.”
كبر الحب وكبرت معه الأحلام.
كان عادل يحلم أن يتقدّم رسميًا لخطبة أمل بعد أن يُكمل دراسته ويستقر في عملٍ كريم.
لكن الرياح — كما في كل الحكايات — جرت بما لا يشتهي القلب.
في يومٍ من الأيام، عاد من عمله متعبًا، فسمع الزغاريد تملأ الحيّ.
رفع رأسه، فرأى الأضواء تزيّن بيت الجيران… بيت أمل.
تجمّد في مكانه، كأن الزمن توقف عند تلك اللحظة.
لم يسأل أحدًا، فقد أجابت الزغاريد على كل أسئلته بصوتٍ أعلى من احتماله.
جلس قرب شرفته، ونظر إلى السماء الطويلة، وقال بصوتٍ مبحوح:
> “حتى الفرح… صار يوجع.”
ومنذ تلك الليلة، لم يعد عادل كما كان.
صمت كثيرًا، وابتعد عن أصدقائه، حتى أمه لاحظت أن شيئًا انكسر في عينيه.
لم يكن يتحدث عن أمل، لكنه كان يعيشها في كل نظرة، في كل أغنية، في كل لحظة تمرّ دونها.
مرت السنوات، وجاء القدر بامرأة أخرى إلى حياته… اسمها تهاني، كانت طيبة القلب، صبورة، أحبته بصمتٍ يشبه صمته.
تزوّجها، وأنجب منها طفلين، لكن شيئًا في داخله بقي هناك… عند باب الجيران، حيث ضاعت الكرة، وحيث وُلد الحبّ الذي لم يُكتب له أن يعيش.
وفي كل مرةٍ يسمع فيها صوت الزغاريد من بعيد، كان قلبه يرتجف كأنها تعود لتخبره بأن الماضي لا يموت… بل ينام في ركنٍ من القلب، ينتظر فقط لحظةَ نداء.
وللقصة بقية …