مقالات

​هل لَكَ سِرٌّ عِنْدَ اللهِ؟

بقلم: ناصر بن محمد الحارثي كاتب من سلطنة-عُمان مسقط

​اسْتَيْقَظَ السُّلطَانُ سُلَيْمَانُ القَانُونِيُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَزِعاً مِمَّا رَآهُ فِي مَنَامِهِ. فَنَادَى عَلَى حَارِسٍ مِنْ حُرَّاسِهِ المُقَرَّبِينَ وَقَالَ لَهُ: “جَهِّزْ لَنَا الخَيْلَ، سَنَخْرُجُ اللَّيْلَةَ مُتَنَكِّرِينَ لِنَرَى شُؤُونَ النَّاسِ عَنْ قُرْبٍ.” وكَانَتْ مِنْ عَادَةِ السُّلطَانِ الخُرُوجُ مُتَنَكِّرًا بَيْنَ النَّاسِ لِمُسَاعَدَتِهِمْ.

​وَفِعْلاً، خَرَجَا هُوَ وَحَارِسُهُ فَقَطْ، فَمَرَّا أَمَامَ جُثَّةِ رَجُلٍ مُلْقَاةٍ فِي أَحَدِ الشَّوَارِعِ وَلَا أَحَدَ مِنَ النَّاسِ يَقْتَرِبُ مِنْهَا.

سَأَلَ السُّلطَانُ: “جُثَّةُ مَنْ هَذِهِ؟”

فَقَالُوا لَهُ: “إِنَّهَا جُثَّةُ رَجُلٍ زَانٍ وَشَارِبٍ لِلْخَمْرِ. لَيْسَ عِنْدَهُ أَوْلَادٌ أَوْ أَهْلٌ غَيْرُ زَوْجَتِهِ، وَلَا أَحَدَ مِنَ النَّاسِ يَقْبَلُ أَنْ يَدْفِنَهُ.”

فَغَضِبَ السُّلطَانُ وَقَالَ: “أَلَيْسَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم؟!”

​فَحَمَلَ السُّلطَانُ جُثَّةَ الرَّجُلِ وَذَهَبَ بِهَا إِلَى زَوْجَتِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَّا أَنَّهَا بَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا. فَتَعَجَّبَ السُّلطَانُ، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ بَعْدُ أَنَّ الَّذِي أَمَامَهَا هُوَ السُّلطَانُ.

​فَقَالَ لَهَا: “لِمَاذَا تَبْكِينَ وَزَوْجُكِ كَانَ زَانِيًا وَشَارِبًا لِلْخَمْرِ؟”

فَقَالَتْ لَهُ وَهِيَ تَبْكِي: “إِنَّ زَوْجِي كَانَ عَابِدًا زَاهِدًا لِلَّهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُرْزَقْ بِأَوْلَادٍ. وَمِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ لِلذُّرِّيَّةِ كَانَ يَشْتَرِي الخَمْرَ، وَيَأْتِي بِهِ إِلَى البَيْتِ فَيَصُبُّهُ فِي المِرْحَاضِ، وَيَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ أَنِّي خَفَّفْتُ عَنْ شَبَابِ المُسْلِمِينَ بَعْضَ المَعَاصِي. وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى اللَّوَاتِي يَفْعَلْنَ فَاحِشَةَ الزِّنَا فَيُعْطِيهِنَّ أَجْرَهُنَّ لِيَوْمٍ كَامِلٍ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ، وَيَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ أَنِّي خَفَّفْتُ عَنْهُمْ وَعَنْ شَبَابِ المُسْلِمِينَ بَعْضَ المَعَاصِي. وكُنْتُ أَقُولُ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ لَهُمْ ظَاهِرُ الأَعْمَالِ، وَإِنَّكَ سَوْفَ تَمُوتُ وَلَنْ تَجِدَ مَنْ يُغَسِّلُكَ وَيَدْفِنُكَ وَيُصَلِّيَ عَلَيْكَ. فَكَانَ يَضْحَكُ وَيَقُولُ لِي: سَوْفَ يُصَلِّي عَلَيَّ السُّلطَانُ سُلَيْمَانُ وَالوُزَرَاءُ وَالعُلَمَاءُ وَجَمِيعُ المُسْلِمِينَ.”

​فَبَكَى السُّلطَانُ وَقَالَ: “وَاللهِ إِنِّي أَنَا السُّلطَانُ سُلَيْمَانُ، وَإِنَّهُ لَصَادِقٌ. وَاللهِ سَوْفَ أُغَسِّلُهُ وَأَدْفِنُهُ بِنَفْسِي وَأَجْمَعُ جَمِيعَ المُسْلِمِينَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ.” فَأَمَرَ السُّلطَانُ سُلَيْمَانُ القَانُونِيُّ أَنْ يَحْضُرَ الجَيْشُ كُلُّهُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَحْضُرَ جَمِيعُ المُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقَابِرِ السَّلَاطِينِ العُثْمَانِيِّينَ. وَبِالفِعْلِ حَضَرَ الكُلُّ، فَكَانَتْ أَكْبَرَ صَلَاةِ جِنَازَةٍ فِي التَّارِيخِ.

​وَقَدْ يُشْبِهُ ذَلِكَ قِصَّةَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الأنصاريّ الَّذِي وَرَدَتْ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ” فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ. قَالَ نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عز وجل وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَا…

اظهر المزيد

كمال فليج

إعلامي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى