
في عالمٍ مزدحمٍ لا نلتفت فيه كثيراً لما يختبئ خلف الوجوه، يبقى اللطف في التعامل هو تلك اللمسة السحرية التي قد تُربت على قلب أحدهم دون أن ندري. فمعظم من حولنا قد لا يحتاجون منا سوى عناقٍ دافئ يطمئنهم، أو قبلةٍ ناعمة على جبينهم، أو حتى شخصاً يهمس لهم: “أنا هنا من أجلك، أنا أشعر بك حتى لو لم تتحدث.”
ومن بين زحام الحياة وقسوتها، اخترت أن أكون تلك الإنسانة التي تحتوي الآخرين في أقسى اللحظات. لم أكن فقط أقدم كلمة، بل قدّمت ذاتي بكل حنانها؛ كنت الضماد لجراحهم، والمأوى الذي يلتجئون إليه حين تهب الرياح.
أدركت أن احتواء الآخرين ليس ضعفاً، بل قوة لا يملكها الجميع. أحبّوا مني العناق الذي يدفئ أرواحهم، والكلمة التي تداوي خوفهم، والطمأنينة التي تعيد لهم القدرة على النهوض. أحبّوا تلك الطبطبة التي لا تُخفي الحقيقة، بل تمنحهم القوة لمواجهتها.
وفي كل مرة أكون فيها سندًا لغيري، أكتشف أنني أنا أيضاً أحتاج ذلك اللطف يومًا ما؛ ربما أحتاج أن يعانقني أحدهم حين يتعب قلبي، أن يربت على روحي حين تنطفئ، وأن يمد لي يدًا كما اعتدت أن أمدها للجميع.
وسأكون بخفة قلب طير، تأوي إليه تلك القلوب المتعبة، وأكون ملاذًا آمنًا لهم حتى لو كان ذلك في وقتٍ عابر… يكفي أن أمنحهم شعور الطمأنينة في لحظة يحتاجونها، فذلك عندي حياة كاملة.
وربما كان هذا ما يميزني… أنني أقدّس الحنان والحنية، فهي برأيي أصدق دليل على نقاء القلب، وعلى أن الخير مهما تاه بين الزحام، يبقى حاضرًا فينا.