أخبار دوليةالآندينعـــــاجل
أحمد علي سليمان يكتب: كيف نواجه الإسلاموفوبيا ونصحح مفاهيم الغرب عن القرآن الكريم والإسلام؟
المسلمون عبر عصور طويلة وإلى الآن كانوا وما زالوا هم أول ضحايا الظلم والعدوان، وأكثر مَن عانوا المظلومية بسبب كيل ساسة الغرب بمكيالين، وما قضية فلسطين والقدس وحق الفيتو منَّا ببعيد!

كيف نواجه الإسلاموفوبيا ونصحح مفاهيم الغرب عن القرآن الكريم والإسلام؟

قال الدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن القرآن الكريم هو كلام الله الخالد، الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، وقد ميَّزه اللهُ تعالى بميزات لم تكن لغيره، فحفظه بحفظه، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ويسَّر تلاوته، كما أنه الكتاب الوحيد على وجه الأرض المحفوظ في الصدور تواترًا، ولمِ لا وهو أعظم كتاب، وأجمل كتاب، وأكمل كتاب، وأشرف كتاب.. أحدثَ اللهُ تعالى به رباطًا مقدسًا بين الأرض والسماء، وجمع له كلُّ أنواع الشرف العظيم: الشرف الإلهي، والشرفُ الملائكي، والشرف البشري، والشرف الزماني، والشرف المكاني..
موجات من العداء
وأضاف، لقد تواترت على القرآن الكريم موجات العداء عبر التاريخ، واتخذت أشكالا شتى، حيث جرَّب الغرب العداءَ الخشن تارة فلم ينجح، كما جرب العداءَ الناعم تارة أخرى فلم ولن يفلح أبدًا.
ولقد سبق لرئيس الوزراء الإنجليزي (جلادستون 1809 -1898م) أن قال: “إننا لن نستطيع هزيمة المسلمين طالما ظلوا متمسكين بهذا القرآن”! أما “الحداثيون” من الغربيين والمتغربين -كما يقول د. محمد عمارة- “فقد أدركوا عبثية الهجوم الفج والصريح على القرآن الكريم، وكيف أن هذا يزيد المسلمين استمساكًا به واعتصامًا بحبله؛ فذهبوا مذهب التأويل العبثي، الذي يفرغ القرآن الكريم من حقائق محتواه، ويحوله إلى رموز لا حقيقة فيها.. وإلى تاريخ لا صلاحية له في الحاضر والمستقبل” ولكن هيهات هيهات.
وأوضح د/ أحمد علي سليمان أن مطالبة بعض الغربيين بإبطال سور من القرآن الكريم أو تجميد آيات بعينها، أو الحكم عليها بالتقادم ومن ثم إحالتها للتقاعد، بحجة أنها أمست قديمة لا تواكب العصر، أو أنها تعادي السامية، أو أن بعض الإرهابيين يفسرونها بما يسمح لهم بقتل ومعاقبة اليهود والمسيحيين والملحدين، ما هو إلا محض هذيان، ومحاولة إلهاء العالم عن مشكلات بعينها عجز هؤلاء الفاشلون عن حلها.. فثمة فرق كبير جدًا بين كلام البشر، وكلام رب البشر المقدس (القرآن الكريم)، كما أن فهم البشر – وبالتحديد غير النبيين – للقرآن الكريم وغيره فهم غير مقدس وهذه مُسلَّمة يجب أن نشترك فيها جميعًا.
الخراب والتدمير منهم
وتساءل د. سليمان، ما الذي يطرح نفسه بشدة هنا: عن أي عنف وقتل يحدثون؟! عن العنف الذي دمروا به العراق وشردوا أهلها وقتلوا الأطفال والشيوخ والنساء؟ أم العنف والقتل والتدمير في سوريا وليبيا واليمن وأفغانستان، واحتلوا به فلسطين والقدس الشريف، أم العدوان الثلاثي على مصر، أم العدوان على السودان ولبنان… وما حدث مؤخرا في غزة ليس منا ببعيد.
ولا في ريب أن استعراض حقائق التاريخ البشري في سياقها العلمي العادل يؤكد أن المسلمين عبر عصور طويلة وإلى هذه اللحظة كانوا وما زالوا هم أول ضحايا الظلم والعدوان، وأكثر مَن عانوا المظلومية بسبب كيل ساسة الغرب بمكيالين، وما قضية فلسطين والقدس وحق الفيتو منَّا ببعيد!!.
ألاعيب السياسة
وأوضح، د. سليمان، أننا نوقن تمامًا أن ليس كل الغرب ضد المسلمين، فهناك المثقفون والمنصفون الذين لا تنطلي عليهم ألاعيب السياسة والساسة، وهناك عامة الغرب فليس لدينا معهم مشكلة، ويجب ألا تكون، بل هم ضحايا التزوير والتدليس في الإعلام والمناهج الدراسية الغربية، وأيضًا هم ضحايا غيابنا وتأثيرنا نحن، ولكن أوقن أن الإنسان الغربي لا يزال لديه من رصيد الفطرة ما يجعله يقبل الحقيقة إذا عرضت عليه في سياقها العلمي والمنطقي.
كما أن هناك الساسة وأصحاب المصالح والأجندات ورجال الأحزاب و”لعيبة” الانتخابات، فهؤلاء يُجيدون الإمساك بزمام اللعبة، ويفتعلون المواقف في الوقت المناسب، ويستغلون الظروف ويخلقون السياقات المواتية لتحقيق مآربهم؛ بهدف كسب الأصوات في الانتخابات، و”فزاعة” الإسلام جاهزة لإظهارها في الوقت المناسب؛ لكسب أصوات رجل الشارع، والمريب أن بعض الأحزاب تستلين الناس بالعداء للإسلام، في ظل غياب إستراتيجية إسلامية موحدة للتعريف بهذا الدين الخالد.. والدليل لماذا تخرج مثل هذه الفرقعات في هذا الوقت بالذات؟!
الإسلاموفوبيا
وأضاف، د. سليمان، لقد بُحَّ صوتنا وصوت مؤسسات إسلامية كثيرة من أجل تنقية الكتب الدراسية التي تدرس للطلاب في الغرب خصوصًا كتب التاريخ، التي تشتمل على مغالطات كثيرة عن الإسلام، والتي أسهمت في زرع الخوف من الإسلام والمسلمين، وتجذير الكراهية في نفوس النشء الغربي، وكان مما ترتب على ذلك انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا.
ومن هذه المغالطات التي لن يغفرها لهم التاريخ: الأحكام المسبقة، والتفسيرات المشوهة عن العرب والمسلمين، وتجريد الحضارة الإسلامية من منجزاتها الإنسانية، وقلب الحقائق التاريخية ومن بينها ما يتعلق بالحروب الصليبية والقدس وغيرها، وخلط بين القرآن الكريم والسنة، وذكر قصص أسطورية أقرب للخيال منها إلى الحقيقة، ولا نجد لها أصلا في المراجع التاريخية، وغيرها كثير، وما زلنا نطالب بالتعديل، خصوصًا أن هذه الكتب الدراسية عمل بشري قابل للحذف والإضافة والتعديل والتبديل والتصويب والشرح، ولكن من دون جدوى، وسنظل نطالب بالتعديل ولن نيأس، والغريب أننا نفاجأ فقط بتبجح بعضهم بالمطالبة بتعديل كلام رب البشر أو حذف بعضه أو تجميده!!
لابد من دراستها
وطالب د. سليمان، الأزهر الشريف والمؤسسات الإسلامية المعتمدة بأن تَدْرس وبعناية الدوافع والمرامي والأسباب وراء هذه المطالبة الخطيرة، وتقديم الردود العلمية والبراهين المنطقية والمنهجية الحاسمة – بعيدًا عن العاطفة – لتفنيد الحجج التي على أساسها كانت هذه المطالبات، وبما يجعل الغرب يرضخ علميًا ومنطقيًا، ويوقن بأن العيب في سوء فهم النص لدى نفر قليل، وليس العيب أبدًا، ولن يكون في النص المقدس الذي أنزله الله أساسًا من أجل إصلاح الإنسان والكون والحياة، وطالب المسلمين الذي يعيشون في بلاد الشرق والغرب أن يؤدوا أداء حضاريًّا متميزًا في أعمالهم، ويسهموا في نهضة البلاد التي يعيشون فيها ويأكلون من خيراتها، بحيث يجعلوا الأنظار تُصوّب إليهم من سلوكهم الحضاري المتميز، كما توجهت من قبل في قديم الزمان إلى أسلافهم التجار الذين نشروا الإسلام في أصقاع كثيرة بحسن أخلاقهم وسلوكهم؛ فذلك كفيل برسم الصورة الحقيقية عن الإسلام وعن نبي الإسلام.
أسباب الكراهية
وأوضح د. سليمان أنه من خلال جولاتنا الدعوية في الشرق والغرب نستطيع أن نقرر أن ثمة أمورًا ترسخ الكراهية والخوف من الإسلام ومن أهمها: عوائق التواصل اللغوي بين المسلمين وبين أهل البلاد التي يعيشون فيها، وقد تحدثنا في رابطة الجامعات الإسلامية مع بعض المسئولين الهولنديين –إبان أزمة الفيلم الهولندي المسيء للإسلام “فتنة”- فأوضحوا لنا أنه “إذا تمكن المسلمون من إتقان لغة البلد بطلاقة، فإنهم سيتعايشون مع جيرانهم بسهولة”.. وتبقى المشكلة الحقيقية التي يراها الأوروبيون أنه لا توجد صورة واضحة وموحدة عن الإسلام، فهناك السنة والشيعة وهناك السلفيون وهناك المتصوفون، وهناك الجهاديون.. إلخ.
وبعد أحداث سبتمبر ولندن ومدريد تَكَوّن لديهم نوع من الربط بين الإسلام والتطرف، وأحيانًا يمكن أن يكون هناك نوع من الترجمة للإسلام على أنه دين لا يعترف بالديمقراطية، كما ينظرون إلى بعض الدول المسلمة على أنها دول غير ديمقراطية.. لذلك فإن المجتمع الغربي كله في حاجة ماسة إلى التعرف على الإسلام الحقيقي من خلال حوار أكاديمي وخطاب تجديدي تنويري، يُظهر قيم الإسلام؛ وعلى رأسها قيم التسامح والتعددية وقبوله الآخر…إلخ!!
وهنا تبرز أطروحة تعيين ملحق أزهري في كل سفارة مصرية بالخارج.
مجتمع الطابع العلماني
وأشار د. سليمان، إلى أن الواجب علينا نحن المسلمين أن نفهم جيدًا طبيعة العلاقة بين المسلمين والأوروبيين؛ ذلك لأن المجتمع يغلب عليه الطابع العلماني الذي يعتقد أنه لا توجد حاجة لوجود دين..
كما يعتقدون أيضًا أن التطور الذي سيحدث بعد ذلك في أوروبا ينبئ بأنه لن يكون ثمة حاجة للدين بصفة عامة، ويشعرون بإشكالية تؤرقهم وتتبلور في أنه مع قدوم المسلمين من الدول الأخرى أصبح هناك بعض التغير في المجتمع الأوروبي، وليس فقط من الإسلام، فهناك جماعات من المسيحيين قدمت أيضًا من إفريقيا وغيرها، وهناك مبادئ لإحياء المبادئ الدينية الموجودة لدى القدماء.. وهذا يعني أن المشكلات الخاصة بالدين أصبحت حاليا تحت الأضواء في أوروبا.. ومع ازدياد عدد المسلمين في أوروبا أمسى هناك شعور بأن الدين لم يذهب للأبد، بل أصبح هناك نوع من الشعور بالإحياء الديني..
وقد أتي عليهم من الخارج دين قوي له معتقداته وأفكاره، وهم يعتقدون أن هذه القضية تهدد أيديولوجيتهم ومستقبلهم وحريتهم وهذه هي أهم مخاوفهم.. ويمكن إذابة هذه المخاوف من خلال إستراتيجية متكاملة للتعريف بالإسلام ترتكز على الحوار، وتجديد خطابنا للغرب؛ بحيث يكون مبنيًا وبإحكام على المنهج العلمي والمنطق، ومنطلقًا من فقه الواقع وإيديولوجيات الدول الغربية وفلسفاتها السائدة، والتواصل مع مجتمع الجاليات لسد حاجاتها وتوجيههم إلى مقومات الرشد الحضاري، والتعاون العالمي لنشر ثقافة التعايش، وأيضًا سن القوانين الدولية لمنع ازدراء الأديان والمقدسات، وإدارة الأزمات بالمنهجية العلمية.. ويبقى تعلم اللغات العالمية الحية والتوسع فيها وتطوير دراساتها بدءًا من بداية السلم التعليمي في الأزهر الشريف وهو المحك الحقيقي، حتى نتمكن من إيجاد جيل من الدعاة يمتلكون نواصي العلوم الشرعية ويمتلكون نواصي اللغات الحية، فيترجموا معاني القرآن الكريم – وغيرها – بصورة تتسق مع المعنى الدلالي وإيضاح مراد الله تعالى بشكل دقيق، ومن ثم يتحاورون مع العالم بما يحقق مبدأ التعاون والتعايش والاعتراف بالآخر والبناء ودعم السلام في جميع دول العالم.
الدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية



