قوسُ قُزَح: رِسالَةُ الأَمَلِ بَعدَ المَطَرِ
بقلم :ناصر بن محمد الحارثي - سلطنة عُمان

”إذَا أَرَدتَ قَوسَ قُزَحٍ، فَعَلَيكَ أَن تَتحَمَّلَ المَطَرَ.”
هَذِهِ الكَلِمَاتُ البَلِيغَةُ لِزِيغِ زِيغْلَرَ، المُتَحَدِّثِ الأَمْرِيكِيِّ الشَّهِيرِ، تُلَخِّصُ جَوهَرَ الحَيَاةِ. فَقَوسُ قُزَحٍ لَيسَ مُجَرَّدَ ظَاهِرَةٍ طَبِيعِيَّةٍ سَاحِرَةٍ، بَل هُوَ تَجسِيدٌ حَيٌّ لِلجَمَالِ الحَقِيقِيِّ الَّذِي يُولَدُ بَعدَ عَنَاءٍ، وَلِلنَّجَاحِ وَالسَّعَادَةِ الَّتِي تَعتَقِبُ انقِشَاعَ غُيُومِ الشِّدَّةِ وَتَحَدِّيَ الرِّيَاحِ وَالمَطَرِ وَالبَردِ. رُؤيَتُهُ وَحدَهَا تَزرَعُ فِي النَّفسِ شُعُورًا عَمِيقًا بِالسَّعَادَةِ وَالأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ.
لِقَاءُ حُبٍّ مَعَ قُزَحٍ… وَسُؤَالٌ يَتبَعُهُ جَوَابٌ
فِي لَحظَةِ تَأَمُّلٍ، خَاطَبتُهُ وَقُلتُ:
“يَا قَوسَ قُزَحٍ، كَيفَ السَّبِيلُ إِلَيكَ؟ كَيفَ أَصِلُ إلَى جَمَالِكَ؟ أَخبِرْنِي، كَيفَ أَتَعَرَّفُ عَلَيكَ حَقًّا؟”
وَبِصَوتٍ هَمَسَ بِهِ الوُجُودُ، أَجَابَنِي قَوسُ قُزَحٍ:
“أَنَا قَوسُ قُزَحٍ، أَبدَعَنِي خَالِقِي مُنذُ الأَزَلِ وَتَشَكَّلتُ مِن قَطَرَاتِ المَطَرِ العَذبَةِ وَانعِكَاسِ ضَوءِ الأَمَلِ مِن شَمسِ الحَيَاةِ السَّاطِعَةِ. أَلوَانِي سَبعَةٌ، كُلُّ لَونٍ مِنهَا يَحمِلُ حُلمًا وَمَعنًى. لَن تَرَانِي إلَّا بَعدَ أَن تَنقَشِعَ غُيُومُ اليَأسِ، وَتَتَحَمَّلَ رِيَاحَ الشَّدَائِدِ، وَتَصبِرَ عَلَى وَخَزَاتِ المَطَرِ البَارِدَةِ.”
رسالة قوس قزح الخالدة
وَتَابَعَ قَائِلًا، وَكَأَنَّ كَلِمَاتِهِ تَرسِمُ الأَلوَانَ فِي الفَضَاءِ:
“سَتَجِدُنِي فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ؛ فِي كُلِّ سَهلٍ أَخضَرَ وَكُلِّ جَبَلٍ شَامِخٍ، فِي كُلِّ بَحرٍ عَمِيقٍ وَكُلِّ نَهرٍ جَارٍ، فِي حَدِيقَةٍ غَنَّاءَ تَفُوحُ مِنهَا الحَيَاةُ، وَحَتَّى فِي صَحْرَاءَ قَاحِلَةٍ جَردَاءَ. أَنَا لَا آتِي إلَّا بَعدَ هُطُولِ المَطَرِ لأَكُونَ الفَرَحَ وَالسَّعَادَةَ الَّتِي تَدُبُّ فِي الوُجُودِ. بِي تُغَنِّي الطُّيُورُ أَعذَبَ الأَلحَانِ، وَتَنمُو الزُّهُورُ بِأَبهَى الأَلوَانِ. أَنَا مَن رَسَمَنِي الرَّسَّامُونَ فِي لَوحَاتِهِمُ الخَالِدَةِ، وَصَوَّرَنِي المُصَوِّرُونَ فِي لَحَظَاتٍ نَادِرَةٍ وَأَمَاكِنَ مُختَارَةٍ، لأُظهِرَ لِلنَّاسِ أَنَّ الأَمَلَ يَأتِي بَعدَ اليَأسِ، وَالسَّعَادَةَ تُولَدُ بَعدَ الحُزنِ، وَأَنَّ بَعدَ العُسرِ يُسرًا لَا مَحَالَةَ.”
ثُمَّ هَمَسَ لِي بِكَلِمَاتٍ تَصِلُ إلَى الرُّوحِ:
“أَنَا قَوسُ قُزَحٍ، كَيفَ تَعرِفُنِي حَقًّا؟ شِعَارِي هُوَ الصَّبرُ عِندَ الشَّدَائِدِ. جَمَالُ أَلوَانِي هُوَ هَدِيَّتِي لَكَ، لِكَي تَملَأَ حَيَاتَكَ بِالسَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ. قَد أَكُونُ عَالِيًا فِي السَّمَاءِ بَينَمَا أَنتَ عَلَى الأَرضِ، لأُعَلِّمَكَ أَنَّ النَّجَاحَ وَالفَلَاحَ هُمَا مَا سَيَأخُذَانِكَ إلَيَّ، وَيَرفَعَانِكَ إلَى العُلَا.”
”اعلَم يَا ابنَ آدَمَ، أَنَّكَ أَنتَ مَن تُنَادِينِي، وَأَنتَ مَن تَطلُبُنِي، لَيسَ بِالدُّعَاءِ فَقَط، بَل بِـالسَّعيِ الجَادِّ نَحوَ النَّجَاحِ وَالصَّبرِ الجَمِيلِ عَلَى البَلَاءِ. يَا ابنَ آدَمَ، كُنْ مَعَ اللهِ يَكُنِ اللهُ مَعَكَ، وَاصبِر دَائِمًا عَلَى مَا أَصَابَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزَائِمِ الأُمُورِ الَّتِي تُقَوِّي إِرَادَتَكَ.”
رِسَالَةٌ أَبَدِيَّةٌ مِنَ الأَلوَانِ السَّبعَةِ
أَنَا قَوسُ قُزَحٍ، بِأَلوَانِي السَّبعَةِ، أُنَاجِيكَ وَأُنَادِيكَ: اصبِرْ وَصَابِرْ، وَتَحَمَّلْ وَتَنَهَّدْ لَا ضَعفًا بَل قُوَّةً، وَجِدَّ وَاجتَهِدْ، وَتَحَمَّلْ تَبِعَاتِ الطَّرِيقِ. حِينَئِذٍ، سَتَجِدُنِي فِي السَّمَاءِ أُشِعُّ لَكَ الدُّنيَا أَمَلًا وَجَمَالًا يُبهِرُ العُيُونَ وَيُحيِي القُلُوبَ.
مَعَ خَالِصِ حُبِّي وَتَقدِيرِي، قَوسُ قُزَحٍ