
صوتٌ يتردّد في أرجاء الكون.. فلا حياة لأمّةٍ بغير لسان!
لقد أُنزل القرآن الكريم على سيدنا محمد ﷺ معجزةً خالدةً وتشريفًا له ولقومه من قريش، فجمع العرب بلسانٍ عربيٍّ مبين، وسيبقى إلى قيام الساعة. قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
فكان القرآن سببًا في حفظ العربية وصونها من التشتّت والتشرذم إلى لغاتٍ متفرّقة، مهما اختلفت الأجناس واللهجات. وتُعَدّ العربية من أعرق لغات الأرض، وأبقاها نضارةً، وأسمى الألسنة وأفصحها للتخاطب والتواصل بين الأمم.
وإذا أمعنّا النظر في العربية، ألفيناها أوسع اللغات مادّةً، وأصفاها لفظًا، وأرقاها نسقًا. فلقد أمضت ما يربو على ستة عشر قرنًا، وتكفّل الله بحفظها إلى أن يرث الأرض ومن عليها.
إنها لغتي التي تعلو على الشفاه.. هلمّوا إلى ينابيعها، إلى وهج الحياة، لنرتوي من لغة الضاد؛ لغة المجد والشمم والإباء، لغة العلم والمعرفة. إذ قال ابن الأثير: “العربية سيّدة اللغات”. فكيف لنا أن نُجابه هذا السحر الفريد، وهذا المنطق الرصين، وهذه الروح المترعة بالجمال؟ لغة فاقت سائر أخواتها بكثرة مفرداتها، ودقّة معانيها، وروعة نظام مبانيها.
وقد أنصفها منصفو المستشرقين، فأشادوا بخصائصها الفريدة، ومنطقيّة بنيتها، وعذوبتها وكمالها، وسموّها كحِصنٍ حصينٍ صائنٍ لهوية الأمّة، رغم كيد أعدائها الذين سعوا بشتى الوسائل للنيل منها. ومع ذلك تفرّدت بطرائق التعبير العلمي والفني والأدبي، بينما تفرّعت اللاتينية إلى لغاتٍ عدّة كالإيطالية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، ثم انفصلت وتمايزت، حتى غدت لكل أمّةٍ لسانٌ مستقل.
ولا ضير في اطّلاع الأجيال على الثقافات الأخرى، تذوّقًا للعلم، وإرواءً لشغف المعرفة، وسعيًا إلى مجاراة التطوّر ومواكبة ركب الحضارة. غير أنّ الإلهام الأعمق، والأجدر بالاعتبار، هو التوغّل في أسرار لغتنا الأم، لغة الأدب والحكمة، والفصاحة والبيان.
أفتخر بأنّ العربية تاج أوطاني، ستظلّ وشاحًا يزيّن صدري.. لغةً لا تضاهيها الشعوب في ثرائها المدهش بالمرادفات، وفي دقّتها ووجازتها، وفي نغمها العذب وخصائصها البديعة في البيان والنحو. لتظلّ منارةً وضّاءةً، وسناءً مشرقًا، في غناها الفكري والثقافي، فوق سائر لغات الدنيا.