لغز مقتل محمد آل عيسى الفصل الثالث: حضور الشرطة ومعاينة مسرح الجريمة
الكاتبة: زينة سليم سالم البلوشي

وصلت الشرطة أخيرًا بعد وقت قصير من تلقي البلاغ، لتنتشر عناصرها حول القصر بأكمله في لحظة صمت مشحونة بالتوتر. تم تطويق موقع الجريمة بحذر، وكأنهم يتهيأون لاختراق سرٍّ من أسرار الماضي.
دخل المحقق علي الأنصاري، الشهير بلقب الوحش، بخطى واثقة وعينين تلمعان بخبرة السنين. كان معروفًا بقوته وذكائه الحاد، وبقدرته النادرة على حل أعقد القضايا. وقف عند باب المكتب يتفحصه بعناية، ثم دفعه ببطء وكأن المكان يهمس له بأسراره المخفية.
هناك، رأى الجثة ممددة في هدوء غريب يتناقض تمامًا مع الدماء التي غمرت المكتب. تجول ببصره بين تفاصيل الغرفة، يقرأ كل شيء كما لو كان كتابًا مفتوحًا. أدق التفاصيل لم تغب عن عينيه.
المكتب مرتب. لا فوضى. لا علامات اقتحام. لا آثار لمجرم. لا سلاح. ولا حتى مؤشرات على صراع. كل شيء نظيف أكثر مما ينبغي.
همس لنفسه:
“غريب… موتة تبدو طبيعية، لولا وجود الدم. والدم لا يكذب أبدًا.”
شعوره الداخلي كان يصرخ: هناك شيء غير طبيعي هنا.
فأمر فورًا أحد العناصر باستدعاء الطبيب الشرعي أسعد الدمنهوري.
لم يطل الانتظار، إذ حضر الطبيب وبدأ بفحص الجثة بدقة وهدوء. وبعد إنهاء الفحص الأولي، اقترب منه المحقق وسأله بصوته الجاد:
ــ “ما الذي يظهر لك؟ ما سبب الوفاة؟”
أجاب الطبيب وهو يمعن النظر في الجثة:
ــ “لا توجد إصابات، لا جروح، لا خنق، لا ضرب، ولا حتى آثار حقن. الجثة نظيفة… لكن الدم يثير الريبة.”
رفع المحقق حاجبيه بشك وقال:
ــ “هل يُعقل أنه مات ميتة طبيعية؟”
أجابه الطبيب:
ــ “لا أستطيع تأكيد شيء الآن. لكن من كمية الدماء أشك بوجود سم قاتل، أو ربما مادة شديدة القوة بطيئة المفعول. ومع ذلك، لا شيء مؤكد قبل التشريح الكامل.”
هز المحقق رأسه، وأمر بتحضير غرفة التشريح. وبينما كان يتفحص المكان من جديد، لمح كوب قهوة موضوعًا على المكتب، بدا في غير مكانه، وكأنه ينتظر من يلاحظه.
قال بلهجة حازمة:
ــ “خذوا عينة من هذا الكوب فورًا… ربما نجد فيه مفتاح هذا اللغز.”
ثم عاد يتأمل مسرح الجريمة بعينين ثاقبتين، ليلاحظ أمرًا زاد الموقف تعقيدًا: الباب كان مغلقًا من الداخل بإحكام!
تمتم بصوت خافت، وكأنه يحاور الغموض نفسه:
ــ “كيف دخل القاتل إذًا؟”
في تلك اللحظة أدرك أن الجريمة ليست عادية. إنها جريمة محكمة، خُطط لها بدقة متناهية.
خرج المحقق من القصر برفقة فريقه، حاملين الجثة إلى غرفة التشريح. وبعد ساعات من العمل الدقيق، خرج الطبيب الشرعي ليؤكد الشكوك:
ــ “إنها جريمة قتل، وليست وفاة طبيعية كما بدت. لقد تم استخدام بودرة قاتلة… مادة خطيرة تقتل بمجرد استنشاقها.”
ساد الصمت لوهلة، قبل أن يبتسم المحقق ابتسامة هادئة ويقول:
ــ “كما توقعت… اللعبة بدأت الآن. وحان وقت التحقيق الحقيقي.”
يتبع…