(نبوءة الظل ‐ ثنائية الموت والحياة)٠
انكسارات على حبات المسبحة‐ مجموعة قصصية - للقاصة ناريمان أبوإسماعيل٠٠٠

✍️ سليم النجار :
تطرح المجموعة القصصية ” انكسارات على حبات المسبحة”، مرسوم على حائط الواقع، عوالم يتحرك فيها القص بوصفه واقعاً صرفاً، واقعاً حين تقرأ تفاصيله لا بد من القول لم يحدث هذا، لم تره، قص يعلن في عدد مما تطرحه القاصة ناريمان مخاصمتها للواقع الزائف والهروب منه إلى الصور الإنسانية المفارقة وإن تحركت بين حدود الثنائيات الضدية التي تتحرك بين قوسيها تشكيلاتها، الحياة/ الموت‐ الضوء/ الضل‐ الروح كما تتنوع القصص بين بين عدد من الأساليب الصورية، والتنويعات الاجتماعية، لكننا اذا تأملنا جملة ما تطرحه القاصة ناريمان فسنلمح كيف تصطاد تفاصيل عالمها القصصي من مفردات منثورة في الواقع كما نقرأ في قصتها” إنها السادسة” ، فقد استطاعت عبر تشكيلها اللغوي أن تكسب دلالات جديدة عبر التصور المفارق، والتقطيع، واتصال البنيات الصغرى في تركيب الصورة القصصية،( ذلك الرجل النائم جواري في السرير لا يشعر بأرقي لا يدري كذلك بعدد محاولاتي البائسة كل ليلة لأحظّى ولو بساعة نوم واحدة ص١٢)٠
كما وظفت الاختلاف في قصتها ” إنها السادسة”، ما بين بداية القصة ونهايتها وهنا يكمن الرمز في محاولة التوفيق وإيحاء نقطة تلاقي العلاقة بين فلسفة التذمر وفلسفة السكينة والقبول بالأمر الواقع، إنها قراءة لفهم الواقع ومساره العام واعنى بذلك ما أقره الفيلسوف هيغل من وحدة الواقع والعقل غير مجدية لفهم الواقع اليومي بتنوعه وتوتره وتغيراته،( اصحى حبيبي٠٠٠ إنها السادسة ص١٨)٠
ومن الموت الطقسي الذي تحيطه الخيالات والطقوس التي تحيل على ماض بعيد حيت الأجواء البيئية والخروج من مرحلة لأخرى عبرطقس العبور الذي ينتقل فيه الإنسان بين مراحل حياته بوصف الموت جزء من رحلة الوجود، ومن هذه القصة التي سمتها ناريمان” جرس” ترسم خطّا بيانّيا للطلوع بالروح عاكسًا فيها نبؤة الموت المبكر،( مازال يعنيه المطر في لحظة ما، ولسبب موجع، تقرر إعادة النظر في طبيعة علاقتنا مع الفصول ص٢٥)٠
ولعله من المفيد هنا التأكيد آن القصة القصيرة لن تتجاوز العقل والمعقول، ومن المفيد القول أن بدايات الفلسفة كان هاجس الفكر الأول هو البحث المتواصل عن المعقول حتى يصبح مقبولا وشائعا بين الناس٠ فقد كان مثلاً من شروط المحاورة الأفلاطونية أن تكون كل فكرة قابلة لأن تطرح على النقاش بين الفلاسفة والعلماء فيتم قبولها أو دحضها٠ ولأن الحياة اليومية تقتضي أيضاً فعالية الإحساس والعلاقات الشائكة بين العقل والوجدانية من حيث هي موطن العواطف وقبلة الإحساس، يتأتى القص كنقطة تلاقي بين فلسفة العقل وفلسفة الروح، التي عادة تكون القصة الجسر الواصل بينهما، وهذا ما نلحظه في قصة” صنم”،(لا أحد يعلم كم مضى من الزمن على هذا التمثال، منذ أن تحجر ‐ وسط حديقة الحي ‐ متخذا شكل صبي حتى الآن ص٣٤)٠
اختلف الكثير من الكتاب والمفكرين على تحديد اصل الفلسفة لكن هناك إجماع على أن إنها محبة الحكمة٠ وهذا يقودنا إلى التحرر من الواقع اليومي، فالرجل الحكيم ‐ بالنسبة إلى الأغريق ‐ هو الذي ينفصل عن الحياة العادية ويذهب إلى التفكير والنظر في الكون والعالم وكل ما يجعل الحياة ممكنة، هل هذا ما أرادت الذهاب إليه ناريمان في قصتها” صورة لم تكتمل”؟ أو البحث عن الحقيقة الخالصة بواسطة التفكير، أو الاعتماد على الذكرى، التي هي ميتافيزيقيا لعل، ومن اجرأ المفكرين الذين وجهوا نقدًا قاسياً للميتافيزيقيا كانط التي اعتبرها عائقاً أمام التنوير، كما أن هذا الميتافيزيقيا لا تعاشر الأفكار كما لا تعاشر الحياة اليومية، التي عادة ما تحيلها للماضي، الذي يتشكل من صور مختلف عليها، بفعل الزمن وتطور المفاهيم، فالماضي قضية إشكالية لنقرا ما سردت في قصتها ” صورة لم تكتمل” ،( اللحظات السعيدة في صورة قبل أن يدوي انفجار مباغت، ويحيلها ‐ في طرفة عين ‐ إلى حسرات تحت الركام ص٤٩)٠
ويتجادل الحلم مع الزمن الذي يستدعي الطين والتراب بوصفه المادة الأولى للخلق، ومآل الإنسان حين يودع الحياة، وأذا كانت ناريمان أبوأسماعيل قد استعانت ببعض المفردات الطقوسية، كما كتبت في قصتها ” لقاء”، ( هناك على الطاولة المقابلة كان الزمان يجلس كمخرج ماهر ص٥٥)٠ إنها تركيبة للعبة الزمان وانشطار الروح بين دقة الوصف المدلول وبداية الواقع الضعيف٠
إن قصص ناريمان رحلة شقاء، ونحت في صخر العيش، وانكسارات، واحلام قارة في المجاز، ومحبة للحياة، ورغبة في تجاوز الآلم والانعتقاق من محاصرة الموت، رغم اليقين بحقيقته كما نقرأ في قصة” الفستان الإحمر”( فيغادر المخيطة متجها إلى أقرب مقبرة ليودع التراب وما تبقى من أشلائه ص٦٠)٠
من أهم ما يميز المجموعة القصصية” انكسارات على حبات المسحبة” الصادرة عن دار اليازوري- عمان- ٢٠٢٤ ٠٠
أولا: لم يأتي قصها صوت خطابي النزعة ‐ بل جاء نسيجا اجتماعيا٠ حافلا بالرموز والظلال والصُّور المبتكرة٠
ثانيا: تمثلت قصصها بسمة التنوير وافكارها المتمردة التي يبررها تردي المجتمع ونكوصه إلى الخلف٠
قصص ” انكسارات على حبات المسبحة” انعكاسا لأحلام واحزان المهمشين، فكانت انكساراتهم قصص ناريمان أبوأسماعيل٠