حنين… زهرة ذابلة في أتون الحرب السودانية

اتكاءات الخميس :

بقلم : د. إبراهيم شقلاوي

دفعت إليَّ بقصتها هكذا، دون تفاصيل، فقط تركت لي الخيار في أن أستخدم اسمها أو أستعيض باسم من عندي، فاخترت أن أعبّر عن مأساتها بدلالات هذا الاسم، الذي أفقدوه معناه ورونقه ومضامينه. هكذا هي حربهم على وطن مسالم، طمعًا في ثرواته وإنسانه. لن ينساها لهم، ولن ينسى الخذلان.

في أحد أحياء الخرطوم، التي تحولت إلى ساحة معركة، كانت حنين، فتاة في العشرينيات من عمرها، تحلم بمستقبل مشرق بعد تخرجها في كلية الطب. لكن الحرب لم تترك مجالًا للأحلام أو الآمال، فقد اقتحمت مليشيا الدعم السريع المسلحة حياتها، لتجعلها عنوانًا لمأساة لا تُنسى.

في صبيحة أحد الأيام، وبينما كانت حنين تساعد والدتها في ترتيب ما تبقى من المنزل المتهالك، اقتحمت مليشيا الدعم السريع الحي، كما فعلت في أحياء كثيرة، حيث لم يكن هدفها القتال بقدر ما كان نشر الرعب، وسرقة الممتلكات، ونهب كل ما يقع تحت أيديها. دخل المسلحون إلى منزل حنين، وسلبوا ما تبقى من أموال العائلة، ثم ارتكبوا أفعالًا وحشية بحق النساء، ولم تستثنِ حنين، التي قاومتهم بكل قوتها، لكنهم كانوا وحوشًا لا تعرف الرحمة.

لم تتوقف معاناة حنين عند ذلك الحد، بل اضطرت إلى الهروب مع والدتها نحو إحدى الولايات الأخرى، حيث وجدت نفسها في معسكر نزوح يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة والإنسانية. هناك، صُدمت بواقع جديد، إذ لم يعد لحياتها معنى، ولم تعد الفتاة الطموحة التي كانت تحلم بمساعدة المرضى. لقد انطفأت روحها، كما انطفأت أرواح آلاف الفتيات اللواتي قادتهن الحرب إلى المجهول.

حنين ليست مجرد قصة، بل هي واحدة من آلاف المآسي التي صنعتها انتهاكات مليشيا الدعم السريع، التي لم تفرق بين صغير وكبير، ولا بين رجل وامرأة، بل جعلت من النساء أهدافًا لجرائمها الوحشية. واليوم، في ظل استمرار الحرب، تظل معاناة حنين وصديقاتها شاهدًا حيًا على ضرورة تحقيق العدالة، وإنهاء عهد الفوضى والسلاح الذي دمّر حياة الأبرياء.

حنين اليوم ليست مجرد ناجية، بل شاهدة على جريمة مركبة: جريمة مليشيا دعمتها أيادٍ خارجية، وسلاح أرسله من رأى في السودان غنيمة، وتمويل جاء من قوى لم ترَ في دماء الأبرياء سوى فرصة للسيطرة والنفوذ.

لكن هل سيفلت هؤلاء من العقاب الموعود؟ أم أن صرخة حنين وصديقاتها ستصل إلى الإنسانية، ليُجرَّم ليس فقط من ارتكب الجرائم، بل من وفّر لها الغطاء والدعم؟


دمتم بخير وعافية.
الخميس 27 نوفمبر 2024م
[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى