تصريحات صادمة تستوجب المساءلة القانونية

" وجه الحقيقه "

✍️ إبراهيم شقلاوي :

في هذا المقال نتناول التطور المفاجئ الذي كشف من خلاله المقدم عبد الله سليمان عضو لجنة إزالة التمكين عن تفاصيل صادمة تداولتها وسائل الإعلام المحلية . في تسجيلات صوتية مثيرة تحدث سليمان عن علاقة مشبوهة بين “تنسيقية القوى المدنية”، “تقدم”، و”مليشيا الدعم السريع”، متهمًا شخصيات سياسية بارزة بالضلوع في تحالفات غير قانونية مع هذه المليشيا قبل اندلاع الحرب . التصريحات التي أدلى بها سليمان تشمل اتهامات خطيرة بالفساد المالي والابتزاز السياسي وتحقيق أجندات مشبوهة والتورط في التخطيط لانقلاب .

هذه الاعترافات تأتي في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للسودان ، حيث تثير تساؤلات جوهرية حول تورط هذه الشخصيات في إشعال الحرب الدائرة . كما تؤثر بشكل مباشر على المسار السياسي الذي يعاني من حالة من الفوضى والصراع على السلطة . وكما أظهرت التصريحات ، فإن المقدم عبد الله سليمان لم يقتصر على الحديث عن هذه التحالفات المشبوهة فقط بل أشار إلى دفع الأموال من “مليشيا الدعم السريع” إلى قادة في “قوى الحرية والتغيير”، مثل طه عثمان إسحق وياسر عرمان وآخرين قبل اندلاع الحرب . هذا يثير العديد من التساؤلات حول أموال غير الشرعية قد تكون قد سهلت توسع نفوذ المليشيا في البلاد، ما ساعد علي اذكاء التوترات السياسية ويزيد من تأجيج الحرب .

أحد أبرز النقاط التي طرحها المقدم عبد الله سليمان في تصريحاته هو اتهام صلاح مناع المستشار السياسي لقوات الدعم السريع بالابتزاز السياسي . حيث ذكر سليمان أن مناع قد مارس ضغوطًا هائلة على قادة “قوى الحرية والتغيير” لعدم فتح بلاغات ضد شخصيات معينة . هذا يطرح تساؤلات حول استقلالية الإجراءات القانونية والقرارات السياسية في تلك الفترة، ويعزز الشكوك بأن العديد من القرارات السياسية لم تكن تُتخذ بناءً على مصلحة الشعب السوداني ، بل وفقًا لمصالح شخصية أو حزبية ضيقة .

كما أشار سليمان إلى أن كوادر حزب البعث كانت تسيطر على مكتب لجنة إزالة التمكين بمطار الخرطوم ، حيث كان يتم تنفيذ عمليات فساد مالي ، مثل مصادرة الذهب لصالح أفراد معينين . هذه الاتهامات تُضاف إلى السجل المتزايد من القضايا المرتبطة بالفساد السياسي والمالي في السودان خلال فترة “قحت”، مما يستدعي تحقيقًا دقيقًا ومستقلًا بعيدًا عن التأثيرات السياسية .

مفاجأة أخرى طرحها المقدم عبد الله سليمان كانت عن دور “يونيتامس”، بعثة الأمم المتحدة في السودان ، التي لعبت دورًا في تدريب بعض أعضاء “قوى الحرية والتغيير” على تدريبات أمنية ، تضمنت استخدام لغة الإشارة . وهو ما يثير تساؤلات حول أهداف الأمم المتحدة في دعم أطراف سياسية معينة في السودان أو خلق جواسيس. هذا التسريب يكشف عن تدخلات خارجية في البلاد التي سعت لاستغلال الوضع السياسي المعقد لصالح أجندات خاصة ، مما يزيد تعقيد الموقف في وقت كان من المفترض أن تركز فيه الأمم المتحدة على جوانب الإصلاح السياسي والقانوني وتعزيز حقوق الإنسان .

تستمر تصريحات عبد الله سليمان في إثارة التساؤلات حول حجم تأثير القوى السياسية المحلية والأجنبية على المشهد السوداني . فمن جهة كشفت التصريحات عن علاقة وثيقة بين “قوى الحرية والتغيير” و”مليشيا الدعم السريع” عبر عبد الرحيم دقلو ما يعزز الاتهامات التي سبق أن طالت هذه القوى حول تورطها في دعم انقلاب حميدتي في أبريل 2023م . حيث تم تسليم مواقع حيوية إلى “الدعم السريع”، مثل قصر الصداقة ومدرسة المجلس الأفريقي من قبل لجنة إزالة التمكين . هذا يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات جديدة حول ما إذا كان هناك تعاون مسبق بين “تنسيقية القوى المدنية” و”الدعم السريع”، وهو ما يستدعي تحقيقًا قانونيًا موسعًا في هذه العلاقة المشبوهة التي ربما تحدد مستقبل “تقدم” في العملية السياسية بعد الحرب .

ومنذ سقوط نظام الرئيس عمر البشير كانت لجنة إزالة التمكين تهدف إلى إزالة التمكين السياسي والاقتصادي الذي تمتع به أفراد النظام السابق . ولكن مع مرور الوقت تكشفت ممارسات اللجنة ، بما في ذلك إقصاء خصوم سياسيين ، حيث أصبح واضحًا أن العديد من قرارات اللجنة كانت تهدف إلى إبعاد شخصيات سياسية تمثل حزب المؤتمر الوطني، بدلًا من تركيز الجهود على محاربة الفساد . تصريحات سليمان حول ابتزاز شخصيات مثل الواثق البرير وعمر الدقير تكشف عن مستوى عميق من الفساد داخل هذه اللجنة .

رغم خطورة الاعترافات التي قدمها المقدم سليمان، تبقى هذه التصريحات بحاجة إلى تدقيق قانوني شامل قبل البناء عليها . عليه لا بد من أن يقدم المقدم سليمان نفسه للإدلاء بشهادته بصورة قانونية . كما يجب على الأجهزة العدلية فتح تحقيق رسمي مستقل يشمل جميع الشخصيات المتورطة للتحقق من صحة هذه الاتهامات المتعلقة بالابتزاز والفساد والتحالفات المشبوهة . يجب أن يتم التعامل مع هذه الإفادات كنقطة انطلاق للتحقيقات القانونية . كما أشار سليمان إلى تورط بعض الشخصيات في عمليات فساد مالي، مثل صرف الأموال الخاصة بالدولة في صفقات مشبوهة مما يستدعي تدخل الجهات القضائية بشكل عاجل للتحقيق في هذه الوقائع .

من هنا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة إذا صحت هذه الاتهامات ، فإنها تمثل خرقًا خطيرًا للقانون وتهديدًا للأمن القومي السوداني . ما يفتح المجال لملفات فساد يجب معالجتها عبر تطبيق القانون قبل التطرق للعملية السياسية المستقبلية. كما أنها تكشف عن تفاصيل مهمة قد تقودنا لفهم ديناميكيات الحرب في السودان وتداخلاتها السياسية ، لذلك يجب على السلطات المختصة التحرك بسرعة لإجراء تحقيقات شاملة ، خاصة في ظل الوضع السياسي الراهن الذي يتطلع فيه السودانيون إلى استعادة الأمن والسلام والعدالة .
دمتم بخير وعافية .
الجمعة 20 ديسمبر 2024م. [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى