تحرير سنجة: الأبعاد الاستراتيجية والسياسية للتحول في ميزان الحرب

" وجه الحقيقه "

✍🏻 إبراهيم شقلاوي :

بتحرير مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار فإن السودان يشهد فصلًا جديدًا من فصول حرب الكرامة. حيث يُعد هذا الحدث انتصارًا عسكريًا لافتًا ليس فقط على الصعيد الميداني، بل السياسي والأمني لذلك في هذا المقال سوف نحاول شرح ذلك الأمر بصورة مبسطة حتى تتمكن عزيزي القاري من معرفة الأبعاد الإستراتيجية لهذا الانتصار العظيم . لاشك أن تحرير سنجة يمثل رسالة قوية حول قدرة القوات المسلحة السودانية على استعادة السيطرة على الأراضي التي اهملتها في بداية المعركة مقابل تحييد قدرات العدو وقد نجحت في ذلك حسب هذه الاستراتيجية ، لذلك هذا التحول قد يحمل تداعيات بعيدة المدى في سياق الحرب الدائرة وتوازنات القوى الداخلية وربما الإقليمية والدولية الضالعة في تمويل المليشيا ومدها بالسلاح والمقاتلين بجانب الغطاء السياسي والإعلامي الذي تقوم به بعض الاحزاب السياسية.

بالأمس أعلنت القوات المسلحة السودانية دخول مدينة سنجة ، وإستعادة السيطرة عليها بعد طرد مليشيا الدعم السريع منها . حيث تعد هذه الخطوة نقطة تحول استراتيجية في الحرب ضد المليشيات . فقد كانت المدينة مركزًا رئيسيًا لتنفيذ أجندة الدعم السريع في وسط السودان ، ونجاح الجيش في استعادتها يُمثل تراجعًا كبيرًا لهذا التهديد، كانت تحاول السيطرة على كامل الولاية وربما ولايات الشرق الأخرى . لذلك فإن تحرر المدينة يُنهي محاولة “الحصار المتحرك” كما يؤكد بداية جديدة في مسار نجاح تكتيكات الجيش .

كما نعلم فإن مدينة سنجة تتمتع بموقع جغرافي حيوي حيث تقع على ضفاف النيل الأزرق ، مما يجعلها نقطة وصل استراتيجية بين ولايات السودان الشرقية والغربية . تحكم المدينة الطرق البرية التي تربط مناطق البلاد الحيوية، مثل طريق سنار – ربك وطريق الدمازين – سنار، ما يجعلها مفتاحًا للتجارة وحركة المواطنين . إضافة إلى ذلك فإن الثروات الزراعية والحيوانية التي تتمتع بها سنجة تجعلها أحد أهم مصادر الدخل الوطني، مما يضيف بعدًا اقتصاديًا لتحريرها .

لكن الأهمية لا تقتصر فقط على العوامل الاقتصادية. فمدينة سنجة كانت تاريخيًا مركزًا ثقافيًا وحضاريًا هامًا حيث كانت جزءً من مملكة سنار الإسلامية في القرن السادس عشر . لذلك فإن تحريرها يمثل استعادة لجزء من هوية السودان التاريخية والثقافية .

من الناحية الأمنية يُعد تحرير سنجة خطوة مهمة في تحقيق الأمن الداخلي واستعادة السيطرة على الأراضي التي كانت تُشكل تهديدًا مباشرًا للقدرة الأمنية واللوجستية للجيش، لاسيما في سنجة و”جبل موية” حيث كانت تجري محاولة لاستخدام المنطقة كقاعدة عسكرية ضخمة لانطلاق العمليات لذلك يعتبر تحرير المدينة ضربة قوية وافشال لهذا المخطط.

من الناحية السياسية يُشكل تحرير سنجة خطوة هامة في تعزيز سيطرة الحكومة السودانية على البلاد ، كما يُبعث برسالة قوية للطامعين من القوى الإقليمية و الدولية . ان الهروب المذل لقائد المليشيا “حمودة البيشي” إلى جنوب السودان يُعتبر مؤشرا على ضعف المليشيات، ويُؤكد فشل مشروع التمرد المدعوم من القوى الإقليمية ، خصوصًا تلك التي تسعى لتأجيج الصراع الداخلي في السودان لتحقيق أهدافها في السيطرة علي موارد البلاد.

كذاك من الأهمية وبحسب مراقبين النظر إلى تحرير سنجة كرسالة سياسية إلى الطامعين والمتآمرين على السودان سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. تحرير هذه المدينة الاستراتيجية يمثل تحديًا لأي قوة تحاول التدخل في الشؤون الداخلية للسودان. كما أن هذه العملية تؤكد على قدرة الشعب السوداني، ممثلاً في جيشه والمقاومة الشعبية على دحر المخططات الخارجية البائسة . كذلك يعتبر فك الاختناق الأمني على الولايات الشرقية، مثل كسلا القضارف والبحر الأحمر يُعزز من قدرة الجيش السوداني على تأمين طرق الإمداد اللوجستية المهمة التي تمتد إلى حدود إثيوبيا .

هذا التحرير يمكن الجيش من فتح خطوط إمداد جديدة نحو ولاية النيل الأزرق كما يسهل تحركه إلى ولاية الجزيرة وربما النيل الأبيض، مما يعجل بالعمليات العسكرية المحتملة. ايضا من الرسائل السياسية المهمة التي حملها تحرير سنجة هو الاعلان عن التحرير بواسطة وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة اولا ثم اعقبه بيان الجيش وفي ذلك دلالة سياسية واضحة حسب مراقبين اذ ان في هذا الإجراء تكمن إعادة التأكيد على وجود الحكومة كجهة شرعية مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد، مما يعزز مكانتها في الداخل والخارج . كما يُظهر أن قرار قيادة البلاد يمضي نحو ابراز دور الحكومة في المشهد، حتي يبدو التحرير نتيجة قرار سياسي مدروس ، مما يعكس توازنًا بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية. بلاشك هذه الخطوة تسهم في التصدي لمحاولات التهميش والانتقاص من الحكومة السودانية التي يتعمدها الاقليم والعالم . كما أن تأكيد الحكومة على إدارة الأمور بموجب القوانين والدستور يمكن أن يعزز المصداقية المحلية والدولية ويؤكد التزامها بالتحول المدني الديمقراطي في اليوم التالي من الحرب .

لذلك فإن تحرير مدينة سنجة بحسب ما نري من وجه الحقيقة يمثل يومًا عظيمًا للسودان ، ليس فقط لأنه تحقق من خلاله انتصار عسكريا استراتيجيا ، بل لأنه يحمل رسائل قوية في مجالات الأمن والسياسة . هذا التحرير هو خطوة حاسمة نحو استعادة الأمن والاستقرار في البلاد وفتح آفاق جديدة لتحقيق السلام في السودان . إن هذا الانتصار هو نتيجة تضحيات الجيش السوداني والشعب ، ويشكل بداية مرحلة جديدة من تعزيز وحدة البلاد ومواجهة التحديات القادمة. خالص الدعاء للشهداء والشفاء للجرحى والمجد للجيش السوداني الشرف الباذخ الذي يثبت يومًا بعد يوم قدرته على حماية الأرض والعرض وكرامة الشعب .
دمتم بخير وعافية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى