أنا الذي سرقك فسامحني

✍️ صالح الريمي :

تعرضت عمارة سكنية تحتوي على 10 شقق إلى السرقة في حي مشرفة خلف مبنى شرطة ينبع يوم أمس الأول، حينما استغل بعض اللصوص ذهاب أغلب العائلات إلى مناسبة زفاف في إحدى القرى القريبة من المحافظة، فقام هؤلاء اللصوص بسرقة المنازل من خلال كسر الأبواب واقتحام المنازل وسرقة الذهب والمال..
وذكر أحد الأشخاص من الذين تعرضت منازلهم للسرقة أن جريمة السرقة مخطط لها من قبل حيث أن جميع من كان يسكن في العمارة تعرض للسرقة نفسها، وتقدر المبالغ المسروقة من جميع الشقق ما يزيد عن 250 الف ريال بالاضافة إلى الذهب، انتهى الخبر ولم ينته الكلام.

من هذا الخبر المؤلم والدنيء والغير أخلاقي أنقل لكم الجانب الإيجابي عن بعض أخلاق اللصوص ما كتبه الشاعر والكاتب أديب مرزا في كتابه عن أخلاق لص سرقه يومًا ما، يقول: ذهبت إلى مدينة دلهي في الستينات الميلادية للعمل، وفي أحد الأيام نزلتُ من الحافلة فتشتُ جيوبي، تفاجأت بأن أحدهم قد سرقني، وما كان في جيبي حين نُهبت سوى تسع روبيات، ورسالة في مظروف كنت قد كتبتها إلى أمي: “أمِّي الحنون!! فُصلتُ من عملي، لا أستطيعُ أن أرسل إليك هذا الشهر المبلغ المعتاد”..
وقد كنت وضعت رسالتي هذه في جيبي منذ ثلاثة أيام على أمل أن أرسلها في وقت لاحق بما يتوفر لي من روبيات، وبالرغم من أن الروبيات التسع لا تساوي شيئًا؛ لكن الذي فصل من عمله؛ وسُرق ماله تساوي هذه الروبيات في نظره 9000 روبية، وبعد مضي أيام وصلتني رسالة من أمي، توجست خوفًا، وقلت في نفسي: لا بد أنها طلبت المبلغ الذي اعتدت إرساله إليها.

لكنني عندما قرأت الرسالة احترت كونها تحمل شكرها ودعواتها لي، قائلة: «وصلتني منك 50 روبية عبر حوالتك المالية، كم أنت رائع يا بني، ترسل لي المبلغ في وقته، ولا تتأخر بتاتًا رغم أنهم فصلوك من عملك داعية لك بالتوفيق وسعة الرزق»، وبعد قراءة رسالة أمي عشت متذبذبًا، من يا ترى أرسل هذا المبلغ إلى أمي؟!! بعد أيام وصلتني رسالة أخرى بخط اليد بالكاد تُقرأ، كتب صاحبها فيها: حصلت على عنوانك من ظرف الرسالة وقد «أضفتُ إلى روبياتك التسع، إحدى وأربعين روبية كنت قد جمعتها سابقًا، وأرسلتها حوالة مالية إلى أمك حسب عنوان رسالتك، وبصراحة إنني فكرت في أمي وأمك، فقلت في نفسي: لماذا تبيت أمك أيامها طاوية على الجوع واتحمل ذنبك وذنبها؟؟ تحياتي لك» أنا صاحبك الذي سرقك في الحافلة فسامحني!

*ترويقة:*
بالأمس كان لصوص بغداد في العصر العباسي حكماء وفلاسفة، وكان من أشهرهم اللص الشريف أبو عثمان الخياط الذي كان يقول: بأن اللص أحسن حالًا من الحاكم المرتشى، والقاضي الذى يأكل أموال اليتامى، وهو أيضًا القائل: ما سرقت جارًا وإن كان عدوًا لي، ولا سرقت كريمًا ولا امرأة، ولا بيتًا ليس فيه رجل، ولا قابلت غادرًا بغدره..
هناك فرق كبير ما بين لصوص الأمس ولصوص اليوم، فلصوص أيام زمان كان لديهم أخلاق ومروءة، وكان لديهم تراث أخلاقي وحضاري لا يسرقون الجار ولا المرأة ولا يعتدوا على مال الفقير، أما لصوص اليوم مفسدين لا حمة لهم، ولا أخلاق ولا دين، ولا حدود لبطشهم وجشعهم.

*ومضة:*
ذكر ابن أبي جمرة في كتابه بهجة النفوس قائلًا: “أن من أخلاق اللصوص في ذلك الزمان أن اللص لو أكل طعامك أو شرب من ماء بيتك أو ألقيت عليه السلام، ورد لك السلام فلا يحق للص أن يسرقك أو يؤذيك أو يقتلك ولو كنت لصًا مثله”، فجميل أن تصادف في هذا الزمن لصوصًا شرفاء.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى