لكن ماذا حصل بعد ذلك

✍️ صالح الريمي :

بعض المعارك المكسب فيها أن تتنازل عن حظ نفسك؛ لتربح من حولك، فهزيمتك لمن تحب انتصار، وتنازلك لمن يهمك انتصار، فكما أن هناك أشخاصًا خسارتهم مكسب، أيضًا هناك معارك الهزيمة فيها مكسب..
‏بيد أن الفطنة تكمن في الحفاظ على نفسك وسط صراعات الحياة وتقلباتها، ثم الحفاظ على البقية الباقية في علاقاتك بمن حولك، وهذا لن يتأتى إلا بشيء من التنازل أولًا عن حق النفس في الانتصاف، ثم التغافل والصفح الجميل دون من أو أذى، وهنا تكمن الفطنة والحكمة.

يقول شخص عندما ترقيت إلى منصب مدير في إحدى الشركة كان لدي من ضمن الموظفين شابٌ نشيطٌ جدًا، وناجحٌ في عمله، وكان يقوم بكل ما يطلب منه بذكاءٍ وسرعةٍ ودقةٍ، كما أنه يحقق نسبةَ إنجازٍ عاليةً جدًا، لكنه كان لعوبًا بعض الشيء وإلى حد ما، وكان يغادر مقرَّ عمله بعض الأحيان بدون إذن، وإجازاتُه وأذوناتُه أكثر من المعتاد.
وذات مرة تقدم هذا الشاب بطلب إجازة ليسافر مع أصدقائه في رحلة، لكنني رفضتها، فما كان منه إلا أن تقدَّم بإجازةٍ مرضيةٍ، واتصل مدعيًا المرض معتذرًا عن الحضور.

ولأنني أعرف أنه ليس مريضًا؟! ذهبتُ صباحًا إلى بيته وانتظرت هذا الشاب باكرًا ثم قابلته وهو يحمل عدة الرحلات، وكاد الشاب يذوبُ خجلًا، ووجهه يتقلب بين الخجلِ والحرج، بينت له أنه لم يكن قادرًا على خداعي، وأنني لست بتلك السذاجة التي يظنها، وبرهنت له أنه كاذب، وخصمت عليه أجر اليوم مضاعفًا..
لكن ماذا حصل بعد ذلك؟؟!!
بعد أيام، تقدم الشاب باستقالته..!!
وبعد ذهاب الشاب عن العمل خسرت جهده ونسبةَ الإنجاز العالية التي كان يحققها، ولم يعُد بالإمكان أن أرفع لإدارتي العليا نسب الإنجاز السابقة، وصرت بحاجةٍ للبحث عن شاب آخر يمكنه أن يحقق ذات الإنجاز وهم قليل اليوم، لقد كان غباءً مني منقطع النظير، فما هو الذي استفدتُه من فعلتي تلك؟؟!!

بعض ما نخسره في حياتنا، يكون بسبب التضييق على الآخرين، وإغلاق منافذ الهروب ما يجعل الطرف الآخر أمام خيارين: إما أن يهرب منك، وتخسر جهده أو يتخذك عدوًا فيكيد لك، وسيتراجع نشاطه كنوع من الدفاع عن النفس..
وفي كلا الحالتين تكون أنت الخاسر الأكبر، لذلك أقول من المناسب أن تختار اللحظة لتسمح للطرف الآخر أن يتراجع، أن يهرب بكرامة، فبعض التغابي مفيد جدًا في حياتنا اليومية، ولن تكون منتصرًا فعليًا فيما لو كشفت المرء أمامك وأمام نفسه حد التعرية، حيث لن يجد بدًا من المواجهة أو الهروب، والأفضل دائمًا أن تفتح لخصمك طريقا يخرج منه كريمًا فيحترمك بدل أن تحرجه فيعاديك.

*ترويقة:*
لا يشترط أن تفوز بكل المعارك فبعض الفوز هزيمة، ولا تُحرق مراكبك أبدًا، فقد تحتاجها قريبًا، ولابد أن تكسب الجميع بنوع من التغافل الذكي والتجاوز، ولا يعتبر ذلك غباءً بل هو منتهى الذكاء والفطنة بالتجمل والتغابي وهما ورقة التوت التي تسترنا وتحمينا أمام الآخرين، قال تعالى: “فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم”.

*ومضة:*
قال معاوية بن أبي سيفان رضي الله عنه:
“ثلث العقل في الفطنة وثلثاه في التغافل”، ورحم الله من تغافل من أجل بقاء ود وستر زلة..
ليس الغافل بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغافل

*

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى