مشاعر
قصة قصيرة
✍️ أحلام أحمد بكري :
وجدني في زاوية غرفتي متقوقعة على نفسي حاملة بيدي هاتفي النقال منهمكة بالكتابة ، وجهه لي سؤالاً مباغتاً قائلاً :
كيف تكتبين المشاعر ..؟!
رفعت رأسي نحوه وقلت :
أتعلم ، هذا السؤال وجههُ إليّ أكثر من شخص ، وبأكثر من صيغة وبأكثر من موقف ..!
.
قال : وماذا يكون جوابك بكل الأحوال..؟
قلت : نحن معشر الكتاب ، لا نكتب المشاعر ، بل المشاعر هي التي تكتبنا..
.
قال : عجباً ، كيف ..؟
قلت : عندما يحل علينا ظلام الخوف نهرع لنافذة الرجاء نحاول فتحها علّنا نجد منها بصيص ضوء الأمان ليبدد عتمة الخوف ، عندها نجد أن المشاعر هي التي تدفعنا لنكتب..
.
وقس عليها يا سائلي بقيّة الطقوس الداخليّة..
كتعثرنا بالخيبة وذرفنا الدموع أثنائها ، ووقوعنا بالحب ، وتلبسنا الحزن والأسى ، وطيراننا بالسعادة والأمل ، وشعلة الغضب حين تمسنا ، والطيبة والحنان الكامنة بأرواحنا ، والبلادة التي تراكمت في قلوبنا بفعل المواقف ، وانطفاء الحياة بفراق حبيب وموت عزيز ، واللهفة العطشى التي لا ترويها شذرات الاحتواء..
.
قال : على رسلك قفي قليلاً فقد انجرفت مع طقوس المشاعر..!
قلت ضاحكةً : مازلت في بداية ردّي على سؤالك..
قال : إذاً اكملي لن أُقاطع..
.
قلت : مشاعرنا المختلطة التي تعتصر بداخلنا تختلف في كتابتها عن مشاعرنا في معركة البشر ، فتكشف الحياة أمامنا مع الكاذب والمنافق وصاحب المصلحة والأناني والجشع والمغرور ومن تجبرنا الحياة بالتعامل معهم بحذر ووجل ، يختلف تماماً عن تعاملنا مع الصادق والشفاف والرقيق والطيب والكريم والمُحب..
.
قال : يا الله ، كأن المشاعر نهر نغترف من عذوبته ونسبح أحياناً ضد تياره..
.
قلت : أجل يا سائلي أجدتَ التمثيل والتشبيه ، ومهما حاولنا صياغة المشاعر بالشكل الذي يُرضي غرورنا ويشبعنا كي نتخلص منها نهائياً ؛ نظل قاصرين على إيفائها حقها من التعبير وتظل هي حبيسه أظلاعنا..
وتتحكم بنا وتجبرنا كثيراً على كتابتها ، ونظل نحن تحت رحمتها..
.
قال وهو يضع يدهُ على كتفي : تحملين الكثير بداخلك ياعزيزتي ، لا قدرة لي على ذلك ، أستودعك الله أنت ومشاعرك .