مذياع العم عبدالله

✍️ فاطمه العامري :
العم عبدالله هذه الليلة في أتم نشوته واستمتاعه، وكيف لا، وهو قد ابتاع مذياعًا من دكان محسن زهوان المشهور في القرية وحتى القرى المجاورة لها، فهو الوحيد القادر أن يجلب بضاعة بهذه الدقة من الميناء.
علق العم عبدالله مذياعه على الجدار، بعد أن وضع له بطاريات “أبو بس”، وأخذ يقلب الموجة يمينًا ويسارًا حتى وصل إلى إذاعة جدة والرياض، وبالصدفة سمع صوت سميرة توفيق وهي تغني وتشدُو بما أوتيت من إحساس.
أخذ العم عبدالله يصفق بيديه ويغني معها، مر به جاره، همزه ولمزه بنظرة، ثم تمتمة تليها ضحكة مبطنة، وقال:
“الليلة معك رادي وأغاني والبال فاضي.”
ابتسم العم عبدالله وقال له:
“تفضل نتسمع سوا، وأختك مليحة سوت شاهي، وبصوت خافت (شاهي أبو جبل)، تعال نشرب سوا.”
لم يكن ليرفض، فأبو جبل مطلب الرأس الذي يملكه الكيف، وصوت سميرة توفيق لا أحد يرفضه في الغالب.
مر الوقت دون أن يشعروا، فالشاي من يد الست مليحة له نكهة خاصة بعد أن غسلته وطبخته في براد قد تجاوز العقدين من عمره، كذلك صوت الأغاني المتنوعة صنعت جوًا من الطرب.
ومع كل هذا الوقت، تسلل صوت المذياع إلى بقية الجيران، فالمكان هادئ ولا يخلو من أصوات ثغاء الأغنام باحثة عن أطفالها بعد أن تم عزلهم.
وصل الصوت إلى الجار القريب منهم، وهو صاحب الدكان محسن زهوان، أخذ عصاته التي لا تفارقه، وأخذ يتتبع الصوت إلى أن وصل “لدارة” العم عبدالله.
ناداه بصوت أجش:
“يا عبدالله… يا جار.”
خرج إليه مسرعًا، مهرولًا تلبية لمناداته، مبتسمًا طالبًا منه الدخول.
تفحصه بنظرة، وقال له بلكنة جنوبية قروية:
“الناس تعقل وأنت تستخف! صوت أغاني الرادي أزعجتنا ونحن ورانا أشغال.”
ابتسم له العم عبدالله ممتثلًا لطلبه.
خرج جاره الذي كان مستمعًا معه مبتسمًا، وقال:
“أزعجنا عبدالله الليلة بهذا المذياع، وأنا له من الناصحين أن يخفض صوته، ولكن بنت توفيق الليلة حلفت إلا ترد فينا الروح.”
واقترب هامسًا بنصف ابتسامة:
“تعال استمع، والشاهي موجود، يطلب شُرابه، وأنت تعرف شاهي أبو جبل كيف يطرب المخ.”
العروض كثيرة على محسن زهوان، والعقل والقلب في معركة، وانتصر القلب ودخل محسن زهوان مستعماً، وزاد الطرب بأغنية لابتسام لطفي.